عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حكاية وطن

احترام الحقوق والحريات اللصيقة بشخص المواطن كما نص عليها الدستور المصرى بأنها لا تقبل تعطيلاً ولا انتقاصاً لم ترد فى الدستور الحالى ولا فى جميع الدساتير السابقة التى صدرت منذ دستور 1923، واللوائح الأخرى من قبله، ولكنها صدرت فى عهد ملوك مصر الفراعنة قبل الميلاد، واهتدت بها الدساتير المصرية التى نصت على أن المواطنين لدى القانون سواء، وهم متساوون فى الحقوق والحريات والواجبات العامة، لا تمييز بينهم بسبب الدين، أو العقيدة، أو الجنس، أو الأصل أو العرق، أو اللون، أو اللغة أو الإعاقة أو المستوى الاجتماعى أو الانتماء السياسى أو الجغرافى، وحظر على صور العبودية والاسترقاق والقهر والاستغلال القسرى للإنسان، وتجارة الجنس وغيرها من أشكال الاتجار فى البشر، ولا يجوز لأى قانون ينظم ممارسة الحقوق والحريات أن يقيدها بمس أصلها وجوهرها.

حقوق الإنسان معترف بها من أيام الفراعنة، ومن أهم المبادئ التى جاءت لترسيخ هذه الحقوق قديماً كانت الحق فى الحياة، فالمصريون القدماء كانوا أول من اعترف للإنسان بهذا الحق وبشكل عملى، فلم يذبحوا أبناءهم أو يئدوهم كما ذكر فى بعض الأقاويل غير الحقيقية، فالمصريون القدماء كانوا يقدسون حياة الإنسان وحق الطفل سواء كان ذكراً أو أنثى فى أن يتربى فى جو أسرى سليم.. كان المصريون القدماء أمام «ماعت» سواء، فلا فرق بين غنى وفقير، ولا رجل ولا امرأة، ولا بين حر وعبد، ولا بين مواطن وأجنبى.. الجميع له نفس الحق، لأن اختلال ذلك النظام يعنى الفوضى وهى أعظم الأخطار التى كان الملك والمعبد مكلفين بمنع حدوثها. كان المجتمع المصرى قديماً مجتمعًا عاملًا لا سبيل فيه للكسالى والعاطلين، كان مجتمعاً يقدس العمل، فبالعمل لا غيره كان طريق مصر إلى القوى وسبيلها للازدهار وعرف المصريون منذ القدم تنظيم العمل، وكانت الدولة المصرية تكفل العمل للأفراد فى أوقات الفيضان والتى لا تصلح فيها الأراضى للزراعة فكانت تقام المشاريع الكبرى مثل بناء الأهرامات أو السدود وغيرها، والتى يلتحق بها العمال من كل فج فى مصر. وكان لابد من نظام دقيق يكفل للعمال حقوقهم، حيث كفل ذلك النظام للعمال مواقيت عمل مع منحهم إجازة فى نهاية كل أسبوع عمل.

سبق عهد الفراعنة الدساتير والقوانين الحالية فى احترام كرامة العامل، حيث يعتبر الملك أمنحوتب الأول هو من ألغى السخرة عن العمال وأمر بالمساواة بين عمال مصر، لا فرق بين لون أو جنسية أو ديانة وكان مبدؤه «عملك هو ما تقيم عليه»، وكان أمنحوتب الأول ثانى ملوك الأسرة الثامنة عشرة وحكم مصر من 1504 قبل الميلاد، حتى 1525، وكان الابن الثالث لأحمس الأول وأحمس نفرتارى، وتولى الحكم صغيراً، وكانت أمه العظيمة الملكة نفرتارى هى من تولت الحكم حتى بلغ أشده وتولى حكم مصر.

وكالعادة عندما يموت ملك ويتولى آخر، تتكالب الغزاة على مصر ولكن أمنحوتب الأول الشاب تعلم من والده ووالدته كيف يحافظ على بلده وشعبه، وأغار الليبيون من الغرب فتصدى لهم، وهزمهم وأخضعهم لحكمه، ثم وكالعادة هجم «الكوشيون» من الجنوب وقتلوا الحامية المصرية ووصلوا إلى الشلال الأول وطاردهم أمنحوتب الأول حتى الشلال الرابع وأخضع «كوش» للملكة المصرية.

استقرت أوضاع مصر فى عهد أمنحوتب الأول، وبدأ فى بناء معبد الكرنك وبناء معبده فى دير المدينة، وعندما كان يتابع العمل هناك وجد أن العمال يتم تسخيرهم فى الأعمال الشاقة دون إعطائهم الراحة اللازمة والأكل المناسب، وكان هناك تمييز قائم على اللون والعرق، وأمر أمنحوتب الأول بإلغاء كافة أشكال السخرة والتمييز بين العمال.. الكل يتساوى ولذلك أحبه أهل طيبة وقدسوه حتى بعد وفاته.

أمنحوتب الأول مات وعمره 35 عاماً، بعد أن حكم مصر 20 عاماً، أقام فيها إمبراطوريته المصرية التى كانت تنعم بالأمان والاستقرار، ومن شدة حب المصريين له بالغوا فى تصوير قوته البدنية، فنراه مصوراً ممسكاً بأسد من ذيله، ثم يرفعه فى سرعة خاطفة، ويقضى عليه، وعلى الرغم من عدم حقيقة هذا التصوير الفنى المبالغ فيه، فالأمر يعكس مدى فخر المصريين بقوة ملكهم البدنية الخارقة والتغنى بشجاعته وبسالته القتالية.

كان أمنحوتب الأول يهتم بكل طبقات المجتمع حتى أن عمال منطقة دير المدينة، فى البر الغربى لمدينة الأقصر، ظلوا لقرون عديدة فى عهد الفراعنة يقدمون له القرابين، بل كان هناك تقليد خاص وهو أن كهنة معبده كانوا من العمال أنفسهم، ويأتى تقديس العمال له نظراً لاهتمام هذا الملك بطوائف العمال ووضع نظام خاص بالعمل لهم، وقدم لهم أرزاقهم، ومن ثمّ جاء تقديرهم لهذا الملك، محبوب العمال.

تم العثور على مومياء الملك أمنحوتب الأول عام 1881، فى مخبأ الدير البحرى الملكى فى الأقصر، وتعتبر هى المومياء الملكية الوحيدة التى لم يتم فك اللفائف عنها فى العصر الحديث، حفاظاً على جمال المومياء المغطاة بالقناع الجنائزى وبأكاليل الزهور الملونة، مات الملك أمنحوتب الأول دون أن يترك ولداً يخلفه، ويرث عرشه، عرش مصر، تاركاً مصر منعمة بالرخاء والأمن والاستقرار.