عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الأزمة الاقتصادية والتعليم وعمل المرأة وزيادة معدلات الطلاق أسباب مؤقتة لانخفاض أعداد المواليد

بعد انخفاض معدل النمو بنسبة ٨٪ لأول مرة.. المشكلة السكانية ما زالت «تريد حلا»!!

بوابة الوفد الإلكترونية

زيادة السكان تلتهم التنمية والاستثمار وتزيد الطلب على السلع والخدمات 

تخفيف الضغط على سوق العمل وزيادة فرص التوظيف وتحسين معدلات البطالة أهم الإيجابيات 

 

كشف الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، خلال الأيام الماضية عن انخفاض معدل النمو السكانى بنسبة ٨٪ عن العام الماضى، وأكدت الإحصاءات انخفاض معدل الزيادة الطبيعية من ١٫٦٪ فى عام ٢٠٢٢ إلى ١٫٤٪ فى ٢٠٢٣، هذا الانخفاض فى معدلات المواليد لم يكن وليد الصدفة، بل نتاج لعدد من التغيرات الجذرية التى طرأت على ظروف المجتمع المصرى على مدار السنوات الماضية، والمرتبطة بعدد من المؤشرات الاجتماعية والحيوية التى كشفها لنا الخبراء خلال هذا التحقيق.

وتشير الإحصاءات إلى أن عدد المواليد الأحياء بلغ فى عام ٢٠٢٣ نحو ٢ مليون و٤٤ ألف مولود، مقابل ٢ مليون و١٩٣ ألفا فى عام ٢٠٢٢، وبتتبع مؤشر أعداد المواليد فى مصر نجد أنه يشهد انخفاضًا منذ عام ٢٠١٤، حتى سجل عام ٢٠٢٣ أعلى انخفاض له منذ عام ٢٠٠٧.

ووفقًا للبيانات المتاحة على الموقع الرسمى للجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، انخفاض معدل المواليد من ٣٠٫٧٠ مولود لكل ألف مواطن فى ٢٠١٤، إلى ٢١٫٤٠ مولود لكل ألف مواطن فى ٢٠٢١.

وهذا الانخفاض فى معدل المواليد ناتج عن أسباب عدة مرتبطة بعدد من المؤشرات الاجتماعية والحيوية، أبرزها انخفاض معدل الزواج، فمنذ عام ٢٠١٠، انخفضت معدلات الزواج فى مصر من ١١ حالة لكل ١٠٠٠ مواطن، إلى ٩ حالات فى عام ٢٠٢١، وفى المقابل ارتفعت معدلات الطلاق من أقل من حالتين لكل ألف مواطن فى عام ٢٠١٠، إلى ٣ حالات عام ٢٠٢١، ويقابل انخفاض معدلات المواليد الأحياء ارتفاع فى معدل الوفيات منذ عام ٢٠٢٠، والذى وصل إلى ٧ حالات وفاة بين كل ١٠٠٠ مواطن.

ليس هذا كل شىء، حيث ترتفع أيضًا معدلات وفيات الرضع- الأقل من عام- بشكل مستمر منذ ٢٠١٠، لتصل إلى 18 حالة بعدما كانت ١٤ حالة فقط بين كل ١٠٠٠ مواطن.

وهو نفس الأمر الذى ينطبق على وفيات الأطفال دون الـ15 عامًا، حيث ارتفعت حالات الوفيات من ١٩ بين كل ألف فى عام ٢٠١٠، إلى ٢٢ فى عام ٢٠٢١.

كل هذه المؤشرات انعكست على معدلات الزيادة الطبيعية للشعب المصرى، التى انخفضت من ٣٠ لكل ألف مواطن فى عام ٢٠١٥ إلى ٢١ فى عام ٢٠٢١، الأمر الذى يفسر انخفاض أعداد ومعدلات المواليد فى مصر بنسبة تقترب إلى ٨٪ خلال عام ٢٠٢٣ كما جاء فى بيان الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء.

الأسباب

المحلل الاقتصادى حسين سيد حسن عبدالباقى

فى بادئ الأمر يوضح لنا المحلل الاقتصادى، حسين سيد حسن عبدالباقى، ما يحدث قائلًا: تعد الزيادة السكانية مشكلة بسبب عدم التوازن بين عدد السكان والموارد والخدمات، فزيادة عدد السكان لا تصحبها زيادة فى فرص التعليم وفرص العمل والحصول على خدمات عامة مرتفعة الجودة، لذلك تظهر المشكلة بشكل واضح، وتزداد المشكلة بسبب معدلات الزيادة السكانية المرتفعة، ومعدلات التنمية التى لا تواكب معدلات الزيادة السكانية، ما يؤدى إلى انخفاض مستوى معيشة المواطنين، وقد يحدث العكس تماماً عندما ينخفض معدل النمو السكانى، وهو ما يعكس الجهود الملموسة من جانب الدولة لمواجهة مشكلة الزيادة السكانية.

وتابع «عبدالباقى»، ترجع أسباب انخفاض معدل المواليد خلال عام 2023 فى مصر للعديد من العوامل نذكر منها: ﺍﺭﺗﻔﺎﻉ نسبة ﺍﺳﺘﺨﺪﺍﻡ ﻭﺳﺎﺋﻞ ﺗﻨﻈﻴﻢ ﺍﻷﺳﺮﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺤﺎﻓﻈﺎﺕ ﺍﻷﻛﺜﺮ اﻧﺨﻔﺎﺿﺎً مثل محافظات بورسعيد، ودمياط، والدقهلية، والسويس، والغربية ﻟﺘﺼﻞ ﺇﻟﻰ (77.5٪) ﻣﻘﺎﺑﻞ (60.9٪) فى ﺍﻟﻤﺤﺎﻓﻈﺎﺕ ﺍﻷﻗﻞ اﻧﺨﻔﺎﺿﺎ، كما أن زيادة متوسط عمر المرأة وتأخر سن الزواج، وزيادة معدلات الطلاق نتيجة للظروف الاقتصادية، بالإضافة إلى تغير نمط الحياة فى مصر وحرص المرأة المصرية على مشاركة الرجل فى العمل، دفع النساء إلى الحد من عدد الأبناء.

وأضاف «عبدالباقى» أن العوامل الاجتماعية والاقتصادية تلعب دورًا محوريًا فى انخفاض معدلات الزيادة السكانية، بالإضافة إلى ارتفاع مستوى التعليم لدى المرأة مما دفع لخفض معدل الإنجاب، فضلًا عن زيادة تكاليف المعيشة، نتيجة لارتفاع الأسعار بشكل ملحوظ، وزيادة تكاليف التعليم، لذا يعتبر العبء المالى لتربية الطفل أحد العوامل الرئيسية التى تدفع الأزواج إلى تكوين أسر أصغر.

وأشار «حسين»، إلى أن المشروع القومى لتنمية الأسرة المصرية الذى أطلق فى فبراير 2022 بهدف تحسين مستوى جودة الخدمات العامة المقدمة للمصريين مثل التعليم والصحة والتمكين الاقتصادى والثقافى بالإضافة إلى ضبط النمو السكانى قد أسهم فى انخفاض معدل النمو السكانى خلال عام 2023 بالمقارنة بعام 2022، منوهًا إلى أن استمرار انخفاض معدل المواليد على المدى البعيد قد يؤثر سلباً على التركيبة السكانية فى مصر، فقد يؤدى إلى زيادة عدد كبار السن مقابل انخفاض أعداد الشباب، وبالتالى زيادة التكلفة الصحية اللازمة لعلاج كبار السن، وانخفاض الإنتاجية، وزيادة الاعتماد على العمالة من الخارج، لذا يرى عبدالباقى أنه يجب التوازن بين حاجة الدولة لخفض معدل المواليد فى الأجل القصير والضرورة الحتمية لزيادة نسبة الشباب فى المجتمع المصرى فى الأجل الطويل، والتى تعد قوة إنتاجية هائلة ودافع للتقدم الاقتصادى.

إيجابيات 

السيد خضر باحث فى المجال الاقتصادى

فيما أوضح السيد خضر باحث فى المجال الاقتصادى، أن انخفاض معدلات النمو السكانى فى مصر تؤثر بشكل كبير على التنمية الاقتصادية، فانخفاض معدلات السكان تعنى تقليل الضغط على سوق العمل، ويمكن أن تؤدى إلى زيادة فرص التوظيف وتحسين معدلات البطالة، حيث إن إحداث توازن بين عدد السكان والفرص الوظيفية المتاحة، يمكن أن يؤدى إلى تحسين الإنتاجية والدخل الوطنى، كما أن انخفاض معدلات السكان يسهم فى تحسين مستوى المعيشة للأفراد، خاصة عندما ينخفض عدد الأفراد المعتمدين على مورد الدخل الأسرى، بالإضافة إلى توزيع الموارد بشكل أكثر عدالة وتحسين مستوى الرعاية الصحية والتعليم والبنية التحتية والخدمات الأخرى.

وتابع «خضر»: أن انخفاض معدل النمو السكانى يؤدى إلى زيادة الادخار والاستثمار، فعندما ينخفض عدد الأفراد المعتمدين على الإنفاق اليومى والضرورى، يمكن أن يزيد معدل الادخار والاستثمار، وبالتالى يمكن توجيه المزيد من الموارد نحو الاستثمار فى البنية التحتية والصناعات والتكنولوجيا وبناء قواعد اقتصادية أقوى، وتخفيض الضغط على الموارد الطبيعية. 

وأضاف أن انخفاض معدلات السكان يقلل من الضغط على الموارد الطبيعية مثل المياه والأراضى الزراعية، لذلك يسهم فى الحفاظ على البيئة وتحقيق التنمية المستدامة.

أما عن العلاقة بين انخفاض معدلات السكان وغلاء الأسعار فى مصر، فقال إن ذلك سيكون له تأثير غير مباشر حيث إن غلاء الأسعار عادة ما يكون نتيجة لعوامل اقتصادية متعددة مثل التضخم وارتفاع تكاليف الإنتاج وقلة الموارد.

وأشار خضر إلى أن أحد أسباب انخفاض معدلات الزيادة السكانية ترجع إلى غلاء الأسعار خاصة فى مستلزمات الزواج مما أسهم فى انخفاض نسب الزواج بشكل كبير، بالإضافة إلى عوامل عدة أخرى منها زيادة معدلات التعليم والوعى الصحى لدى السكان مما أدى إلى تأخر سن الزواج وتخفيض معدلات الإنجاب، فعندما يكون لدى الأفراد فَهم أفضل لتأثيرات النمو السكانى والتخطيط العائلى، قد يتخذون قرارات أكثر وعيا بشأن التناسل وعدد الأطفال، كما أن زيادة وصول النساء إلى الخدمات الصحية وتخطيط الأسرة يمكن أن يساعد فى تحقيق انخفاض معدلات السكان، فعندما تتاح للنساء المعلومات والخيارات المتعددة للتحكم فى الخصوبة والوصول إلى وسائل منع الحمل الآمنة والفعالة، يكون لديهن المزيد من القدرة على اتخاذ قرارات مستقلة بشأن التناسل. 

سلبيات 

الدكتور حسام الغايش

المحلل الاقتصادى، الدكتور حسام الغايش، عضو الجمعية المصرية للاقتصاد السياسى والإحصاء والتشريع، أكد أن تراجع عدد السكان بنسبة 8% قد يرجع لأسباب عدة منها تأخر سن الزواج خاصة فى المناطق الحضرية، وارتفاع نسب الطلاق، ولكن ما زالت المشكلة السكانية تأتى على رأس المشكلات الاجتماعية ذات الآثار السلبية المتعددة الأبعاد التى تواجهها مصر حاليا بسبب ارتباطها الشديد بالأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، كما أنها تؤثر بصورة مباشرة على جهود المجتمع فى مجالات التنمية الاجتماعية والاقتصادية.

وأوضح أن مصر تعتبر من أكثر الدول معاناة من أثار المشكلة السكانية بأبعادها الثلاثة: النمو السكانى المتزايد، وسوء التوزيع السكانى وتدنى مستوى الخصائص السكانية، ويذهب كثير من المهتمين بالقضايا السكانية إلى أن العلاقة بين السكان والتنمية علاقة تفاعلية، فالسكان أحد الأسباب الأساسية للنمو الاقتصادى باعتبارهم الموارد البشرية المنتجة، لذا يرى البعض أن للزيادة السكانية آثارا سلبية، فكلما ارتفع معدل النمو السكانى انخفض معدل النمو الاقتصادى إلا أن الرأى الأرجح هو عدم وجود علاقة واضحة وقاطعة بينهما، وأن شكل العلاقة متوقف على مجموعة من المتغيرات الأخرى كالخصائص السكانية والتركيب العمرى والنوعى للسكان.

وتابع «الغايش»، أن الزيادة السكانية فى مصر بناءً عن أحدث الإحصائيات الصادرة من الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء هى أنه خلال الـ15 عاما الأخيرة من 2008 – 2023 كان هناك زيادة تقدر بـ22 مليون نسمة وبتطبيق متوسط الزيادة السنوية من المتوقع تجاوز 110 مليون نسمة بحلول العام 2025 بمعدل نمو سنوى يقدر بـ1.8٪، لافتًا إلى أن زيادة عدد السكان تؤدى إلى انخفاض الادخار والاستثمار وبالتالى انخفاض معدل النمو الاقتصادى والدخل الفردى، وتستند هذه الآراء إلى معدلات الخصوبة والمواليد، حيث إن التزايد السكانى يؤثر سلباً على عملية خلق التراكمات اللازمة لعملية التنمية، فارتفاع عدد السكان يؤدى إلى ارتفاع عدد المواليد فى المجتمع، وهذا يؤدى بدوره إلى انخفاض نصيب الفرد الواحد مما يضعف مقدرة الأسر والأفراد على الادخار وانخفاض مستوى دخل الأسرة بالمقارنة مع عدد أفرادها، مما يجعلها لا تفى باحتياجات هؤلاء الأفراد من المواد الاستهلاكية الأساسية ويمنعهم من أى مدخرات، وعندما يكون حجم الادخار فى المجتمع ضعيفاً فبالتالى سيكون حجم الاستثمار ضعيفاً والنتيجة تكون ضعف قدرة المجتمع على المشاريع الاستثمارية مما يعرقل عملية التنمية الاقتصادية.

وأشار إلى أن توزيع السكان فى مصر يختلف بين الوادى والدلتا وفى الصحارى، فمصر بلد صحراوى يقطعه نهر النيل، لذلك يتركز 99.3% من السكان فى الوادى والدلتا لتوافر المياه العذبة، ورغم أن هذا السهل الفيضى لا تزيد مساحته عن 3.5% من مساحة مصر، إلى أن الدلتا يعيش بها 42.4% من السكان، ويعيش بالوادى 34.6%، ويتركز 22.3% من السكان فى القاهرة والإسكندرية وحدهما. 

وعن أساليب مواجهة المشكلة السكانية، أكد عضو الجمعية المصرية للاقتصاد السياسى، أن ذلك يمكن أن يتم بإصدار التشريعات، مثل: رفع سن الزواج، وربط علاوات العمل والإعفاءات الضريبية بعدد الأبناء، بمعنى إعفاء الأسر محدودة العدد من أنواع معينة من الرسوم والضرائب، أو منحها تأمينا صحيا شاملا، أو الحصول على دعم غذائى مجانى أو منح الأم التى تبلغ الخمسين مكافأة مالية إذا التزمت بطفلين، وترفع عنها هذه المميزات إذا تجاوزت هذا الشرط‏، بالإضافة إلى تقديم حوافز للقرى والمدن التى تحقق انضباطا فى وقع الزيادة السكانية عبر خدمات ومشروعات تقام بها‏.‏

وأضاف أنه يمكن ‏الاستفادة من تطبيق القوانين التى صدرت مؤخراً، وخاصة قانون الطفل الذى يجرم عمالة الأطفال كأحد المداخل المهمة وغير المباشرة لمواجهة المشكلة السكانية، بالإضافة إلى عودة القطاع الخاص للمساهمة فى حل المشكلة السكانية ممثلا فى قطاع رجال الأعمال والشركات الكبرى وصولا إلى المساجد والكنائس والمدارس الريفية وذات الفصل الواحد، ولا ننسى الاهتمام بالخصائص السكانية وتبنى برامج فعالة للتنمية البشرية فى محو الأمية والتعليم والصحة لمردودها المباشر على السكان، بالإضافة إلى تفعيل فكرة التوزيع السكانى من خلال خطط جذب السكان للمناطق الجديدة، وغزو الصحراء وإعادة النظر فى خريطة توزيع السكان، فمصر من الناحية العددية تستوعب ضعف عددها الحالى وذلك لأن المصريين يعيشون على 6% من مساحة البلاد، بينما تحتاج 94% من مساحة مصر أن تكون مأهولةً بالسكان، وأن المصريين مكدَّسون فى 3 محافظات، وباقى المحافظات بها خلل سكانى رهيب.