عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

«الوفد» تقضى يوماً كاملاً مع أطفال الشوارع

24 ساعة تحت الكوبرى

محرر الوفد مع المشردين
محرر الوفد مع المشردين واطفال الشوارع

 

 

يعيشون كالقطط الضالة نهاراً.. ويهربون من برد الليل بإشعال النار والنوم حولها

حكايات البنات والأولاد مع الحزن والألم والضياع

عصابات التسول تستغلهم والبلطجية يفرضون إتاوات عليهم.. والأقوياء يتسولون أمام المطاعم الشهيرة والضعفاء يتسكعون حول عربات الفول!

مساعد وزير الداخلية الأسبق: أغلبهم «هربانين» من أسرهم.. والسجن المشدد وغرامة ما بين 50 ألفاً و200 ألف جنيه عقوبة من يستغلهم فى أعمال إجرامية

استشارى صحة نفسية: أغلبهم يعانى مشاكل صحية خطيرة

خبير نفس سلوكى: يجب محاولة جمع شملهم مع أسرهم.. وعقاب مَن يساعدهم على التسول

 

أطفال الشوارع.. الوجع المزمن يعاود آلامه.. بعد أن كادت ظاهرة أطفال الشوارع تختفى، وتصورالكثيرون أن مصر بدأت تتخلص من هذا العار إلى الأبد عاد أطفال الشوارع للظهور مرة أخرى فى كثير من الشوارع

التقديرات تقول إن عددهم فى القاهرة وحدها تخطى 14 ألف طفل وطفلة، والواقع يقول إن كل طفل منهم يمثل بحر متعدد المأسى والآلام، فهروبه من بيت أسرته مأساة مؤلمة، وحياته فى الشارع بلا عائل ولا معين مأساة مؤلمة أخرى، وطريقة حصوله على الطعام مأساة ثالثة وطريقة نومه فى الشارع مأساة رابعة، واستغلال عصابات التسول له مأساة خامسة، والشتاء وبردته مأساة سادسة، والمستقبل الذى ينتظر كل منهم يمثل عدداً لا نهائى من المآسي

ومن يريد أن يعرف كم المآسى الذى يعيشه هؤلاء، فما عليه إلا أن يعايشهم ويقضى معهم بعضاً من الوقت، وهذا ما فعله محرر الوفد الذى قضى 24 ساعة مع أطفال الشوارع، وكانت المحصلة مرعبة.. والتفاصيل فى التحقيق التالي

لسنوات طويلة قبل ثورة يناير ظل أطفال الشوارع قنبلة موقوتة فى شوارع عديدة بالقاهرة الكبرى.

وكانت تلك الظاهرة أقسى تجسيد لعار مجتمع وعار حكومة.. فالمجتمع عجز عن احتضان أطفاله الصغار فتركهم يعيشون كالقطط الضالة فى الشوارع.

والحكومة ارتضت بالصمت على تلك الجريمة دون أن تحاول مد يد العون لأطفال فى براءة الياسمين لم يرتكبوا فى حياتهم ذنباً، ومع ذلك حكم عليهم الزمان أن يعيشوا مشردين فى الشوارع بلا طعام إلا من صناديق القمامة، وبلا حماية، وبلا أربع حيطان تحميهم من غدر الزمان ومن غدر أولاد الحرام وأنياب «كلاب السكك».

وبعد ثورتى يناير 2011 ويونيو2013 تصدت جهات حكومية عديدة لظاهرة أطفال الشوارع، وتم التوسع فى إقامة دور ومناطق إيواء لأطفال الشوارع، وتم استيعاب كل أطفال الشوارع تقريباً..

ومؤخراً عاد ظهورهم من جديد فى الميادين وإشارات المرور والشوارع الرئيسية!..

فبين شوارع القاهرة الصاخبة والمزدحمة، انتشرت أعداد كبيرة من أطفال الشوارع، وجميعهم يبحثون عن طعام، والكل يرتدى ملابس ممزقة، وأغلبهم يفضلون الوقوف أمام المطاعم للحصول على بواقى الأطعمة من المواطنين.

مع بداية الصباح وهم يتنقلون من مكان لآخر للحصول على طعام تماماً كما تفعل القطط الضالة، وبسبب الطعام ينشب بينهم صراع دامي، فيتواجد الاقوى منهم امام المطاعم الشهيرة، وأضعفهم يجلس بجوار «عربات الفول» أسفل كوبرى السيارات.

محرر الوفد قضى يوماً بليلة مع أطفال الشوارع، وتنقل معهم من مكان لآخر وكان الشغل الشاغل للجميع هو الحصول على بقايا طعام مصطفى محمد- ١٢ عام، أحد أطفال الشوارع يحصل على قوت يومه من خلال الجلوس على أرضية شوارع وسط البلد بجوار المطاعم كواحد من آلاف أطفال الشوارع فى مصر الذين يعانون من الفقر الشديد وسط الظروف الاقتصادية الصعبة، مؤكداً أنه هارب من منزله فى المنيا منذ عام سابق بسبب معاملة زوجة والده التى تحاول تعتدى عليه دائماً بسبب عدم قدرته على ترتيب المنزل يومياً والاعتناء بتربية الطيور.

وفى الليل يجتمع العديد من أطفال الشوارع بعد جمع أخشاب أو أوراق أو مخلفات أو أقفاص خشبية يشعلون النار فيها لتساعدهم على التدفئة، ومنهم من ينام على الأرض بجوار النيران ويظل هكذا حتى الصباح..

سمير حسن 13 عاماً أحد أطفال الشوارع يروى جانباً من مأساته قال: نعانى يومياً من صعوبة المعيشة فى الشوارع بسبب الاعتداءات التى نواجهها من بعض البلطجية الذين يفرضون علينا إتاوات بسبب تواجدنا داخل منطقة كل منهم أو حصولنا على أى مساعدات من فاعلى الخير من الطرق، فلا يوجد وسيلة أمان لنا داخل الشارع رغم هروبنا من منازلنا بسبب ظروف متعددة تجبرنا على مهاجرة المنازل إلى الأبد، فكل ما نبحث عنه الأمان والأطعمة والملابس، ونحن راضون بالنوم على الأرصفة بعيداً عن أذى البشر»!

سألت إبراهيم 13 عاماً- أحد أطفال الشوارع الذى يمارس التسول فى إشارة مرور الدقي، عن تفضيله لحياة الشوارع.

فقال: مش عاوز أروح المدرسة، ومش عاوز تحكمات من أبويا وأمى أنا كده عايش زى ما أنا عاوز بأعمل اللى أنا عاوزه».

سألته : وبتاكل منين؟

فابتسم وقال: أكل اللى أنا عاوزه

قلت : إزاى أنت بتشتغل؟

ارتفعت ضحكته: وقال الرزق بيحب الفهلوة، والرزق بيجيلى كل يوم

وقبل أن أسأله سؤالاً آخر عن المستقبل وأحلامه تركنى وجرى بعيداً وقال عندما ابتعد : ما توجعش دماغى سيبنى فى حالى».

قالت أميمة حسن، 42 عاماً من سكان الجيزة، إن ظاهرة أطفال الشوارع تعتبر من أبرز قضايا التى يعانى منها المواطنون فى الميادين بسبب انتشارهم بشكل مكثف ومريب فى المناسبات والاحتفالات.

وأضافت: يجب التصدى لأطفال الشوارع خاصة أنها أزمة حقيقية نراها بأعيننا، مع اعتبارهم جميعاً ضحايا لظروف اجتماعية صعبة لا يعلم أحد تفاصيلها ولهم جميعاً الحق فى الرعاية والدعم وحماية سلامته من معدومى الضمير الذين يستغلون الأطفال لجمع الأموال واستخدامها فى العنف والإجرام والسرقة.

وأضاف سيد محمد، 56 عاماً من سكان وسط القاهرة، أن أطفال الشوارع ضحية انشغال الآباء وحرمانهم من الحنان والاهتمام الأسرى، وعدم متابعتهم ومعرفة متطلباتهم الشخصية وهو ما يجعل الأطفال تشعر بالغربة مع الأبوين فيفروا هاربين إلى الشوارع ليستقبلهم مجموعات من المتسولين الذين يسعون لاستقطاب الأطفال الهاربة من منازلها وخطف الأطفال الصغيرة من الموالد والاحتفالات لاستغلالهم فى التسول وعمليات النشل التى تحدث فى الأماكن الشعبية والعشوائية، لذلك يجب على رب الأسرة أن يستمع إلى طلبات أبنائه ويتقرب منهم وعدم التعامل معهم بالعنف أو بالمنع العدائى، وتوفير بيئة اجتماعية سليمة لهم، كما يجب على الأسر الفقيرة عدم إنجاب أعداد كثيرة من الأطفال فى ظل الظروف الاقتصادية الصعبة حتى تتمكن الأسرة من توفير متطلبات أبنائها.

والتقطت أطراف الحديث مريم إسماعيل، مدرسة ابتدائية بمحافظة الجيزة قالت إن شبح الشوارع يمثل عواقب مأساوية على الأجيال التى يحتاج إليها البلاد فى التنمية وتطور الدولة، وهى أزمة اجتماعية لا يستطيع أحد أن ينكرها بسبب زيادتها بشكل كبير وقالت: وجود الأطفال فى الشوارع دون رقيب أو حسيب واختلاطهم بأشخاص مجهولة، يزرع فيهم طابعاً إجرامياً فيحترفون السرقة وتعاطى المخدرات، حتى يصل الأمر إلى استقطاب الأطفال واستخدمها فى بيع المخدرات، وهو ما يعرضهم للمساءلة القانونية وقد تصل إلى السجن.

وتقول الدكتورة رحاب العوضي، أستاذ علم النفس السلوكي- إن أطفال الشوارع حالياً هم الجيل الثانى لأبناء عصابات احترفت التسول، ليس بسبب ضائقة مالية، ولكن لأنهم وجدوا فى التسول بابأً سهلاً وسريعاً للحصول على مبالغ مالية كبيرة بأقل مجهود».

وأضافت: «يجب التعامل مع أطفال الشوارع من خلال محورين: الأول محور قانونى عقابى لهم ولمن يساعدهم على التسول، والثانى محور إنسانى من خلال البحث عن أسرهم ومحاولة جمع شمل من لديه الاستعداد للعودة إلى منزله، وتوفير وسيلة مناسبة تجعله يعيش بآدمية فى المجتمع».

وأوضحت «العوضى» أن وحدات التضامن الاجتماعى شكلت العديد من الحملات لمساعدة أطفال الشوارع وضمهم إلى دار مأوى لحمايتهم وضمان حياة آدمية لهم، ولكن جانباً من أطفال الشوارع يفضلون التسول والحياة فى الشوارع عن الإقامة فى دور الرعاية!

فيما أكد جون لوكا–الخبير الاقتصادى- أن التدهور الاقتصادى وارتفاع الأسعار وزيادة أعباء الحياة كلها عوامل تساهم فى زيادة عدد الأطفال الذين يعملون ويعيشون فى الشوارع وقال: «من الصعب على الأسر الحفاظ على مستوى معيشتها فى ظل ارتفاع الأسعار بشكل مستمر، وخاصة إذا كان لديها عدد كبير من الأطفال، وبعض تلك الأسر لا تجد حرجاً فى تسريح العديد أطفالها فى الشوارع من أجل التسول وجمع الأموال بأى طريقة، وهو تصرف يدمر مستقبل هؤلاء الأطفال».

وأضاف «لوكا»: فى العائلات الفقيرة، قد يضطر الأطفال إلى البحث عن عمل وقد يجبر هؤلاء الأطفال على العمل فى ورش غير آمنة أو فى ظروف غير صحية، وقد يتعرضون أيضاً للعنف والاستغلال «الجنسى» وهو ما يدفع البعض للحياة فى الشوارع بعيداً عن جبروت الأسرة وجبروت رب العمل.

وتابع: حل مشكلة عودة أطفال الشوارع يحتاج إلى تدخل شامل يشمل التحسين الاقتصادى للأسر، وتعزيز فرص العمل اللائق وتوفير الحماية الاجتماعية للأسر الأكثر احتياجاً، ويجب تقديم الدعم النفسى والاجتماعى لهؤلاء الأطفال، وتوفير فرص تعليمية مناسبة وخدمات صحية متاحة لهم، على أن تعمل الحكومات والمنظمات غير الحكومية والمجتمع المدنى معاً على إيجاد حلول شاملة لهذه القضية الخطيرة».

قال اللواء محمد نور الدين، مساعد وزير الداخلية الأسبق، إن أكثر أطفال الشوارع والتسول «هربانة» من أسرهم، وفى عهد الرئيس الراحل محمد حسنى مبارك، أنشأت سوزان مبارك المركز القومى للطفولة والأمومة برئاسة السفيرة مشيرة خطاب، للسيطرة على انتشار أطفال الشوارع، وفى نفس الفترة توليت مدير الأحداث بوزارة الداخلية، وتم إنشاء إستراتيجية قومية لمكافحة ظاهرة أطفال الشوارع، وإعداد البيانات الخاصة بالأطفال وأعدادهم وأماكن انتشارها والأسباب المستخدمة من قبل الخارجين عن القانون لاستغلالهم فى التسول.

وأضاف نور الدين أن التفكك الأسرى وراء انتشار أطفال الشوارع واستخدامهم فى الأعمال الإجرامية، وانتهت الأزمة بإصدار قوانين قبل 15 عاماً، تنص على أنه لا يجوز معاقبة الأطفال إلا بتدابير احترازية، تبدأ بالتوبيخ والإنذار والتسليم لغير الأمر، والأمر بالابتعاد عن أماكن محددة، أو إيداع إحدى المؤسسات العقابية بما يتناسب مع ظروف الطفل لتعليمهم حرفة، ولكن لا يجوز حبس الأطفال الذين لم يبلغوا 15 عاماً وكان أقصى عقاب هو إيداع إحدى المؤسسات الاجتماعية تحت إشراف وزارة الشؤون الاجتماعية.

أوضح نور الدين أن أطفال الشوارع الذين تتجاوز أعمارهم 15 عاماً يعرضون على نيابة الأحداث، ويحالون إلى محكمة الأحداث مع تكليف باحثة اجتماعية بكشف الظروف الاجتماعية التى أدت إلى ارتكابه للجريمة، ويؤدى هؤلاء الأطفال العقوبة فى مؤسسة العقابية للأحداث فى المرج.

واستشهد مساعد وزير الداخلية الأسبق، بنص قانون العقوبات الذى ينص على أن أطفال الشوارع أو أى طفل دون الـ18 عاماً، يتم استغلالهم من قبل أى أشخاص سواء كانوا من ذويه أو غيرهم–فى أعمال جنسية أو كان هذا الاستغلال بالاتجار فيهم أو استغلالهم لتحقيق مصالح شخصية لهم، فكل هذه الأفعال تعد جريمة جنائية معاقباً عليها ضمن مواد قانون العقوبات المصرى، وبالتحديد بنص قانون العقوبات رقم 58 لسنة 1937 والخاص بعقوبات هذه الجرائم.

ونصت المادة «291» من القانون على أنه: «يحظر كل مساس بحق الطفل فى الحماية من الاتجار به أو الاستغلال الجنسى أو التجارى أو الاقتصادى، أو استخدامه فى الأبحاث والتجارب العلمية ويكون للطفل الحق فى توعيته وتمكينه من مجابهة هذه المخاطر. ومع عدم الإخلال بأية عقوبة أشد ينص عليها فى قانون آخر، يعاقب بالسجن المشدد مدة لا تقل عن 5 سنوات، وبغرامة لا تقل عن 50 ألف جنيه، ولا تجاوز 200 ألف جنيه، وذلك على كل من باع طفلاً أو اشتراه أو عرضه للبيع، وكذلك من سلمه أو تسلمه أو نقله باعتباره رقيقاً، أو استغله جنسياً أو تجارياً، أو استخدمه فى العمل القسرى، أو فى غير ذلك من الأغراض غير المشروعة ولو وقعت الجريمة فى الخارج.

قال الدكتور وليد هندى، استشارى الصحة النفسية: من أهم الظواهر الاجتماعية التى يعانى منها المجتمع المصري، ظاهرة المهمشين، سواء كان المهمشين من قاطنى العشوائيات أو من سكان المقابر، أو غيرها وهؤلاء المهمشين هم موردو الأطفال إلى الشوارع».

وأضاف: الدولة المصرية مشكورة فى عام 2014 أنشأت مبادرة ضم الأطفال بلا مأوى فى المؤسسات وبدأت المبادرة بحصر أطفال الشوارع وكان عددهم وقتها يقارب 16 ألف طفل.

وتابع هندى: نحتاج إلى آلية تعمل على تخفيض نسبة أطفال الشوارع من مصدر انتشارها، مؤكداً أن أغلب أطفال الشوارع بعد فحصهم طبياً وجدنا إصابتهم «بفيروس سى»، ومشاكلهم الصحية متعددة، من أول الجرب والجذام المعدية والإنكلستوما والكبد الوبائى والأنيميا الحادة وضعف البصر.

وأضاف استشارى الصحة النفسية أن أطفال الشوارع يتم استغلالهم جنسياً وهتك العرض عند الأطفال شىء مباح لهم من معدومى الضمير، ومنهم فتيات  يحملن بشكل غير شرعى ومن المحتمل تعرض حياتهن إلى الخطر وقد تصل إلى الوفاة عند الولادة.