رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

على فكرة

عُوقب المفكر الفرنسى «روجيه جارودى» وقُدم وهو فى الخامسة والثمانين من عمره للمحاكمة لأنه تجرأ على فضح الأكاذيب التى روجت لها إسرائيل حول نشأتها، التى قامت على سياقات دينية وعلى أسطورة لا حقيقة علمية لها، تبحث عن هيكل سليمان تحت المسجد الأقصى، وتستمد منها ومن غيرها من الأساطير التوراتية التى تقدسها وتسقط القداسة عن مقدسات الآخرين، لكى تدعم تفوقها العرقى، وتنفيه كذلك عن غيرها، بهدف وحيد هو تكريس سلطتها الدنيوية، واحتلالها لفلسطين وقمعها لشعبه، ثم تكذب ويكذب معها الغرب الاستعمارى المؤيد لها بوصفها بالدولة الديمقراطية العلمانية. جارودى كشف فى كتابه أيضا عبر مقاربات ومقارنات بحثية وشهادة شهود، ما انطوت عليه المبالغات التى أضفتها إسرائيل على أعداد من تعرضوا من اليهود للموت فى المحرقة النازية لتضخيم صورة الضحية التى رسمتها لأسباب سياسية لنفسها ،وهى تقترف جميع الجرائم، مستغلة كما قال أسطورة إبادة 6 ملايين يهودى فى غرف للغاز فى الحرب العالمية الثانية، أكد جارودى أنه لم يوجد لها أى أثر. ونسب إلى مؤرخين معاصرين غيره تأكيدهم أن عدد القتلى فى المعسكرات النازية لا يتجاوز مليون شخص، بعضهم من غير اليهود.

حظرت السلطات الفرنسية كتبه، وقدمته للمحاكمة بتهمة معاداة السامية والتشكيك فى المحرقة، ورفضه لمصطلح الهولوكوست لمعناه اللهوتى، الذى يعتبر فيه اليهود ضحاياهم من أجل الله ولذلك فهم فوق الجميع، ومنعته من ارتياد المنتديات العامة، لكن صوته اخترق الحظر. رفضت الكتاب أكثر من دار نشر فرنسية بينما تحملت دار نشر مستقلة أن تنشر كتابه «الأساطير المؤسسة للسياسة إلإسرائيلية» عام 1996، ثم قادته السلطات الفرنسية للمحاكمة طبقا لقانون «جيسو» المنسوب لنائب فرنسى يدعى «جان كلود جيسو» والصادر عام 1990 ويجرم إنكار الهولوكوست وإنكار وجود جرائم ضد الإنسانية، أو السعى لتقليل حجمها فيما بات يعرف بجرائم معاداة السامية.

وفى العام 1998 تحولت محاكمة «جارودى» إلى ساحة لمحاكمة النفاق الفرنسى والغربى الذى يصادر حريات الرأى والتعبير ويظهر دعمه لحقوق الإنسان، وهو يقمع الحريات ويشوهها بقوانين وملاحقات قضائية تعسفية تهدد دولة الحق والقانون، وهو يزعم الدفاع عنها. وفى المحكمة قال جارودى لقضاتها إنه يحاكم على كتاب لم يكتبه، لأن الكتاب يعالج الأساطير المكونة للسياسة الإسرائيلية، وينتقد الصهيونية التى ينتقدها كتاب يهود غيره، ولم يتعرض للديانة اليهودية، وانه كتاب يتعلق يالبحث العلمى، مذكرا بما جاء فى كتابه أن العرب واليهود ينتمون معا إلى السامية، لأنهم سلالة النبى إبراهيم، وأن إسرائيل تستغل أسطورة إبادة 6 ملايين يهودى، لتقترف جميع الجرائم. وفى هذا السياق أشار إلى مجزرة قانا فى جنوب لبنان، حيث تصول إسرائيل وتجول لتهدد الدول المجاورة، وتحتل أراضيها، فضلا عن خرقها لكل القوانين والتشريعات الدولية. ولأن التاريخ كما يقول «جارودى» هو «شىء مكتوب من قبل المنتصرين فى الحرب، سادة الإمبراطوريات والجنرلات المدمرين للأرض، لصوص الثروة العالمية، مستخدمين فى ذلك عباقرة المخترعين فى العلوم والتقنيات من أجل بسط هيمنتهم الاقتصادية والعسكرية على العالم» فإن الجرائم لم تكن ترتكب فقط فى ألمانيا، بل إن الفاشية اقترفت جرائم عديدة فى دول المغرب العربى أثناء سيطرة حكومة فيشى بقيادة الجنرال فيليب بيتان المتحالف مع هتلر، على السلطة الفرنسية، لكن أحدا لا يذكر ذلك، كما لم يحاسب أى أحد ممن كتبوا أن مئات الآلاف قتلوا فى هيروشيما.

وفى المحكمة قال جارودى لقضاته، إنه لم يخترع أرقاما بل استمدها من مؤسسات عالمية مختصة، وإن كتابه هو شرح لأبعاد خطورة السياسة الإسرائيلية، التى تستخدم الماضى لرسم سياسة خطيرة وبشعة يقودها الآن -1998- بنيامين نتينياهو التى تنطلق من سردية «شعب الله المختار» بتمييز عنصرى وتطهير عرقى، تمنحه الحق فى السرقة وتدمير الآخرين. وقال جارودى فى المحكمة إن ألأمريكيين أبادوا الهنود الحمر، كما يبيد الإسرائيليون الفلسطينيين فى الوقت الحاضر، وأن عنصرية الصهاينة أسوأ من عنصرية هتلر، لأن عنصرية الأولى لاهوتية أما عنصرية الثانية فهى بيولوجية تختص بالجينات.

ربع قرن مر على تحذيرات مفكر غربى حر، ومازا ل نتينياهو يمارس حرب الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطينى فى غزة والضفة الغربية بمساندة غير معهودة من العالم الغربى. ولايزال تساؤل الروائى زكريا تامر قائما أين بيت الفسطينى؟ وفى قصته البديعة التى كتبها للأطفال «البيت» يقول زكريا تامر :الدجاجة لها بيت، بيت الدجاجة اسمه القُنُ. الأرنب له بيت، بيت الأرنب يقال له الجُحر. الحصان له بيت يسمى الإسطبل. السمكة لها بيت، بيت السمكة فى البحار والأنهار. القطُ يحبُ التجوال فى الشوارع، لكنه يملك بيتا يحبه ويفخر به. العصفور له بيت، بيت العصفور يدعى العُشّ. كل إنسان له بيت، البيت هو المكان الذى يمنح الإنسان الطمأنينة والسعادة. الفلسطينى لا بيت له، والخيام والبيوت التى يحيا بها ليست بيوت الفلسطينى. أين بيت الفلسطينى؟ بيت الفلسطينى فى فلسطين. الفلسطينى لا يحيا اليوم فى بيته. بيت الفلسطينى يحيا فيه عدو الفلسطينى. من عدو الفلسطينى؟ عدو الفلسطينى الذى احتل بيت الفلسطينى. كيف يستعيد الفلسطينى بيته؟ بالسلاح وحده، يستعيد الفلسطينى بيته. سيعود الفلسطينى إلى بيته، بيت الفلسطينى للفلسطينى. انتهت القصة ولم يزل الفلسطينى خارج بيته، لعله يعود إليه حين نتذكر أن ما أُخذ بالقوة لا يعود بغيرها.