رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

السوق يحكمه العشوائية وعلى الدولة إحكام قبضتها على المحتكرين

إمبراطورية السكر في قبضة لوبي الاحتكارات والمصالح

بوابة الوفد الإلكترونية

وزارة الزراعة الأمريكية تصنف مصر خامس أكبر مستهلك للسكر عالميا

في بعض الاقتصادات الكبرى قد تتحكم بعض جماعات الضغط وتسمى " لللوبينج " في بعض الصناعات، أو الأنشطة التجارية بهدف الحصول على أكبر مكاسب من الحكومات بطرق، أو وسائل مختلفة، وتحت مسميات متنوعة.

 

وفي العديد من الصناعات أيضا والأنشطة التجارية سواء محليا، أو إقليميا أو دوليا توجد بعض المنافسات غير العادلة والتي تندرج تحت بند الممارسات الاحتكارية وهي ممارسات جرمها المشرع في كل بلدان العالم تقريبا... كل هذه الممارسات بجانب عوامل مساعدة أخرى قد تخلق أسواقا مضطربة غير مستقرة خاصة في البلدان التي تعاني من أزمات اقتصادية، ويظهر اضطراب هذه الأسواق بشكل واضح ومحسوس وملموس من وقت لآخر مع اندلاع موجات تضخمية عالمية أو محلية، وهنا تتكشف الوجوه والأقنعة...

منافسه أم احتكارا أم عرضا وطلبا؟

ما يحدث في سوق السكر في مصر هل نستطيع أن نطلق عليه منافسه، أم سوق حر محكوم بسياسة العرض والطلب أم ماذا؟ الحقيقة إن ما يحدث في سوق السكر حاليا ليس له علاقة بالمنافسة العادلة، وليس له علاقة من قريب أو بعيد باقتصاد السوق الحر المحكوم بسياسة العرض والطلب، والحقيقة المؤلمة أن ما يحدث في سوق السكر هو الجشع والاحتكار بعينه... هو العشوائية وغياب عدالة التوزيع، ونتج عن كل تلك تلك الفوضى العارمة التي نراها -ليل نهار- في سوق السكر... تتوزع هذه الفوضى بين الصناع والتجار ووزارة التموين وهناك ضلع يعد شريكا أساسيا في الفوضى وهو شركات التعبئة والتغليف، وسلاسل التجزئة وهو ما سنكشف عنه في السطور القادمة.

حصاد قصب السكر

 

بداية نوضح بعض الحقائق الهامة عن صناعة السكر في مصر من واقع بيانات رسمية صادرة عن وزارة الزراعة وبعض الدراسات القيمة التي أعدها أكاديميون متخصصون.

تنتج مصر من 3 إلى 3.1 ملايين موزعة على السكر المنتج من القصب ويصل إلى 900 ألف طن سنويا، والسكر المنتج من البنجر ويصل إلى 1.8 مليون طن بجانب 250 ألف طن سكر فركتوز منتج من حبوب الذرة، وتستهلك مصر مالا يقل عن 3.2 إلى 3.5 ملايين طن، وهناك فجوة بين الإنتاج والاستهلاك بصورة عامة تتراوح بين 400 و 450 ألف طن تتم تغطيتها بالاستيراد من عدة مناشئ غالبا ما تكون الهند، أو البرازيل، ويتم الاستيراد من خلال هيئة السلع التموينية، أو شركة السكر والصناعات التكاملية، أو من خلال مستورين للسكر الخام من القطاع الخاص.

وفي مصر 15مصنعا للسكر تقريبا، منها 8 مصانع تمتلكها الدولة وتنتج سكر القصب، و7 مصانع لإنتاج السكر من البنجر منها، 3 للقطاع الخاص، والمصانع المملوكة للدولة هي السكر والصناعات التكاملية، الفيوم، النوبارية الدقهلية، الدلتا، أبو قرقاص أما المصانع التابعة للقطاع الخاص فهي النيل، النوران، الإخوة العرب، الإسكندرية للسكر، سكر القناة، مصنع السعيد للسكر بأكتوبر.

وفي مصر إمبراطورية كبيرة للتجار الكبار قد يتحكمون في إيقاع السوق من الإسكندرية وحتى أسوان من خلال شركاتهم التجارية ومنهم، شركة وكألكس المملوكة لرجل الأعمال السكندري رئيس الاتحاد العام للغرف التجارية أحمد الوكيل، آل سان مايكل للتجارة بوسط القاهرة، جلوبال مولا سيز بفري هيلز، محمود الدمرداش، الزيادي للتجارة والتوزيع بعمارات العبور، مصر للسكر بمنطقة التقى ، غزالة للتجارة وتوزيع السكر، فود لاين المتحدة للصناعات الغذائية، نايل جروب للتصدير والاستيراد والتوكيلات التجارية بمصر الجديدة، أما المحافظات المنتجة لقصب السكر فهي، سوهاج، قنا، الأقصر، أسوان ويتم إنتاج قصب السكر لهذه المحافظات في مصانع، أبو قرقاص، جرجا، نجع حمادي، دشنا، قوص، أرمنت، إدفو، كوم أمبو، أما المصانع التي تنتج البنجر فهي كفر الشيخ، الدقهلية، الفيوم، النوبارية، النيل، أبو قرقاص، الإسكندرية مع الإشارة إلى أن فدان البنجر يعطى 2 طن سكر، أما فدان القصب فينتج 4.5 أطنان سكر أي أن الفدان من القصب يعادل 2.25 فدان بنجر.

وكان سعر توريد طن القصب في 2021 لا يتعدى 720 جنيها للطن، ثم زاد إلى 860 جنيها للطن بواقع زيادة 90 جنيها للطن، ثم زاد مرة أخرى إلى 1100 جنيه، بواقع زيادة تصل إلى 250 جنيها للطن، وهذه الأسعار لم تعد مقبولة على الإطلاق في ظل الارتفاع الرهيب في معدلات التضخم عالميا ومحليا.

مصنع سكر

 

مصر من بين أكبر المنتجين عالميا

يقترب الإنتاج العالمي من السكر إلى 170 مليون طن، وكان عام 2020 يصل إلى 166.18 مليون طن، يشكل سكر القصب منها 80 % وتؤكد إحصائيات صادرة عن منظمة الأغذية والزراعة "فاو" إن هناك 11 دولة تعد أهم الدول المنتجة ويشكل إنتاجها أكثر من 70 % من إنتاج السكر على مستوى العالم وهي دول، البرازيل، الهند، الاتحاد الأوروبي، الصين، تايلاند، أمريكا، المكسيك، روسيا، أستراليا وتحل مصر في المركز العاشر. يشكل إنتاج البرازيل وحدها أكثر من 22 % من الإنتاج العالمي "37.5 مليون طن، وتنتج الهند أكثر من 15 % من الإنتاج العالمي، والاتحاد الأوروبي 9.9 % من الإنتاج العالمي، والصين 7.9 % من الإنتاج العالمي، وتايلاند 5.6 % من الإنتاج العالمي، أما أمريكا فتنتج 3.6 %، والمكسيك 3.0 %، وروسيا 2.6 %، وأستراليا 2.6 % ثم تحل مصر في المركز العاشر لتشكل نحو 1.2 % من حجم الإنتاج العالمي، وتدخل مصر أيضا ضمن قائمة الكبار في سوق السكر العالمي ولكن هذه المرة من باب كبار المستهلكين مع ملاحظة أعداد السكان في كل بلد... تؤكد تقديرات وزارة الزراعة الأمريكية أن الفرد في مصر من أكبر 5 مستهلكين للسكر في العالم، حيث يستهلك سنويا أكثر من 22 كيلو جراما ويسبق المستهلك المصري في التصنيف المستهلك المكسيكي، الروسي، البرازيلي، المستهلك في دول الاتحاد الأوروبي، في حين صنفت الفاو مصر ضمن أكبر 10 مستهلكي للسكر عالميًا.

أكدت الفاو في تقرير لها أن الشخص العادي يستهلك من السكر 24 كيلو جراما سنويا، ويستهلك الشخص في البلدان الصناعية 23 كيلو جرام سنويا. تتصدر الهند المركز الأول في الاستهلاك العالمي ويستهلك الفرد الهندي أكثر من 19 كيلو سكر سنويا بنسبة 15.4 % من جملة الاستهلاك العالمي، يليه المستهلك في دول الاتحاد الأوروبي بنسبة 11.6 %، الصين 9.2 %، الولايات المتحدة الأمريكية 6.4 %، البرازيل 5.6 %، روسيا 3.7 %، إندونيسيا 3.1 % المكسيك 3.0 % باكستان 2.8 % ثم مصر ونسبة استهلاك الفرد المصري عالميا من السكر تصل إلى 1.8 % وأكدت تقديرات الفاو أن الفرد في مصر يستهلك أكثر من 33.1 كيلو جراما سنويا وهو معدل استهلاك كبير للغاية ومردوده سيئ للغاية سواء على مستوى الصحة العامة للفرد، أو على المستوى الاقتصادي والاجتماعي.

 

المشكلة والحلول

بعيدا عن لغة الأرقام والتحليلات الخذعبلية التي نشاهدها ونقرؤها حول مشكلة السكر في وسائل الإعلام من خبراء ومسئولين ومنهم مسئولون في وزارة التموين وللأسف يتجملون ويتقعرون في توصيف المشكلة وهم أبعد ما يكون عن المصداقية، أو فهم لأبعاد المشكلة باختصار شديد مشكلة السكر في مصر هي عدم وجود عدالة في توزيع السكر في ظل سوق يحكمه الفوضى العارمة. الأمر الآخر أن هناك محتكرين بالفعل يحتكرون السكر كما يحتكرون غيره من السلع خاصة مع تزايد معدلات الاستهلاك بسبب كثرة أعداد الإخوة الأشقاء الذين دخلوا مصر مؤخرا بسبب الأحداث السياسية في بلادهم والذين أصبح عددهم يقدر بالملايين... لا يعقل في ظل هذه الأزمة أن يتم توزيع كميات كبيرة من السكر على محالّ وسلاسل سوبر ماركت بعينها، وشركات تعبئة وتغليف بعينها من أمثال الضحى والصحابة وزمزم، والسوهاجي يتم تخصيص كميات كبيرة من السكر لسلاسل سوبر ماركت بعينها تحت مسمى أنها كبيرة في التوزيع وهي، فتح الله ماركت بالإسكندرية محمد الهواري هايبر ماركت، سعودي، كارفور وقد تجود هؤلاء يوزعون بعض الكميات بالفعل أمام الجمهور بسعر مخفض، ولكن ما أدرانا أنهم يوزعون كل الكميات التي يحصلون عليها مع ملاحظة أن هناك صناعات غذائية يعمل بها ملايين الأسر وتشكل العمود الفقري للاقتصاد المحلي في أمس الحاجة إلى السكر لتشغيل مصانعها وعدم توقفها.

في دراسة قيمة للغاية أعدها الدكتور رامي أحمد عبد الحفيظ بقسم الاقتصاد الزراعي بكلية الزراعة جامعة أسيوط وتحمل عنوانا "الوضع الراهن والمستقبلي للمحاصيل السكرية في مصر" وتناولت الفترة من عام 2003 إلى عام 2013. حذرت الدراسة من تناقص المساحات المنزرعة بقصب السكر تحت مسمى ترشيد المياه. ولخص الدكتور رامي أحمد في دراسته حجم الداء والمرض عندما أكد أن المساحة المنزرعة بمحصول القصب على مستوى الجمهورية، أو المحافظات تتطور بمعدلات محدودة للغاية ولا تتعدى 0.26 %، و037 %، وأن المساحة الموردة من هذا المحصول لمصانع السكر تتجه إلى التناقض بمعدل يبلغ 0.53 % سنويا من المتوسط السنوي للمساحة الموردة والبالغ نحو 245.3 ألف فدان وهو الأمر الذي يعكس توجها مخالفا من الزراع لما ينشده القائمون على صناعة إنتاج السكر من القصب. كما أكد ت الدراسة أن الحد من زراعة القصب في المدى الزمني المنظور محفوف بالمخاطر. وعلى ما يبدو أن مثل هذه الدراسات القيمة والدقيقة لا يلتفت إليها المسئولون في الدولة!

ملخص القول إن سوق السكر سوق عشوائي محكوم بالفوضى ولوبي الاحتكارات والمصالح، ولا يعقل أن دوله بحجم مصر وتعد من أكبر 11 منتجا للسكر على مستوى العالم تذوب في مشكلة سكر، ويصبح السكر فيها بطعم الملح!