رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

نبضات

خمسة وثلاثون عامًا تمر على فوز أديبنا الأشهر نجيب محفوظ بجائزة نوبل للآداب، ليظل رغم كرور كل تلك السنوات هو العربى الوحيد الذى حازها، بل والأديب الوحيد الذى نالها وتكون لغته الأدبية الأم هى اللغة العربية، فها هو محفوظ نفسه فى كلمة أُلقيت عنه فى حفل التكريم يؤكد أن اللغة العربية هى الفائز الحقيقى بالجائزة. 

ففى ١٣ أكتوبر من عام ١٩٨٨ أعلن عن فوز محفوظ بنوبل، ليواجه محفوظ بعدها بعاصفة عاتية من الهجوم والاستنكار والادعاء بعدم استحقاقه لها، بل لقد أشاعت الجماعات المتطرفة كونه حصل عليها عن رواية «أولاد حارتنا»، التى كانت ولا تزال تقع تحت مقصلة الرفض والنقد، حتى وصل الأمر لمحاولة اغتياله. 

ومن غريب الأمر أنه مازال يتعرض للهجوم ذاته كلما حانت ذكرى فوزه بنوبل، ومازال الجدال يثور بين عموم المثقفين والمتثاقفين، فما بين متهم بمجاملة لجنة التحكيم له ومكافأته على رواية يرونها خارجة على السياق، وبين من يشككون فى أهداف نوبل ذاتها والواقفين وراءها.

وبعيدا عن ذلك الجدال الذى يبدو أبديًا، ولن ننتهى منه يوما، فإننى لن أطرح سؤالا منطقيا عن أسباب عدم فوز عربى بعده بتلك الجائزة، ولماذا ظل هو العربى الوحيد الحائز عليها، فقد أجبت عنه بشيء من التفصيل فى مقالى السابق، لكن دعونا نستعرض حيثيات فوز محفوظ بنوبل كما أوردها إعلان فوزه، ربما استطعنا عبره استجلاء ما ينكره البعض..

فقد ألقى البورفيسير إليان كلمة التقدير إلى نجيب محفوظ جاء فيها: «فى يوم جائزة نوبل العاشر عام 1911 تسلم الكونت موريس ميترلينك، وهو شاعر بلجيكي، جائزة نوبل فى الأداب، من يد الملك جوستاف الخامس من هنا، وفى اليوم التالى ولد نجيب محفوظ، فى القاهرة عاصمة مصر التى ظلت وطنه لم يغادره أبدا إلا فى مناسبات نادرة» 

وأكمل: لقد وهبته القاهرة أيضًا وحى الزمان والمكان فى رواياته وقصصه القصيرة ومسرحياته فها نجد الزحام فى «زقاق المدق» وضاحا بأسلوب ينم عن الود والصفاء، هناك يواجه كمال فى روايته «الثلاثية» قضايا شائكة ومصيرية، وها تقع العوامة فى «ثرثرة فوق النيل» ساحة للأحاديث والمناقشات الحامية حول الأوضاع الاجتماعية، وهناك نلتقى بالأحبة الصغار يبسطون سريرهم «فوق هضبة الهرم». 

وتابع: إن الرواية فى الأدب العربى كظاهرة فى القرن العشرين، صنو لنجيب محفوظ لأنه هو الذى وصل بها فى الوقت المناسب إلى مرحلة النضج، وبالتالى كانت حجر الزاوية فى روايات «زقاق المدق، الجبلاوى والثلاثية، وأولاد جبلاوى فى أولاد حارتنا، واللص والكلاب، وزقاق المدق وحضرة المحترم والمرايا» وقد تنوعت تلك الروايات فى حبكتها ما بين الواقعية النفسية والرمزية والغوص فيما وراء الطبيعة.

وأشار عضو لجنة نوبل إلى أن الأستاذ نجيب محفوظ لم يتمكن من مصاحبيتنا هذه الليلة، وعلى كل سيشاهد على شاشة التليفزيون فى بيته بالقاهرة. 

وتوجه بالحديث إلى نجيب محفوظ مباشرة قائًلا: «عزيزى الأستاذ محفوظ.. إن صرحك الأدبى الغنى يدعونا إلى أن نعيد النظر فى الأشياء الجوهرية فى الحياة، إن مواضيع مثل كنه الزمان والحب والمجتمع والقيم والمعرفة والإيمان، تتوالى كلها فى مواقف متباينة وتُقدم فى أفكار مثيرة للعواطف والذكريات وبأساليب جريئة واضحة».

ومما سبق من بيان تتبدى أسباب المنح التى لم تذكر أنها عن روايته المثيرة أولاد حارتنا، وهو ما يؤكده محفوظ ذاته فى رده على تلك الاتهامات حين أوضح أن هذا اتهام غير موضوعى لأسباب عديدة: منها أن النقد الموضوعى لرواية أولاد حارتنا ينفى عنها الهجوم على الإسلام والديانات السماوية، وأن فى الغرب متدينين أيضا مازالوا متمسكين بتعاليم الدين، وأننى لم أحصل على جائزة نوبل بسبب رواية أولاد حارتنا، فهی واحدة ضمن قائمة طويلة من روایات ذكرتها لجنة نوبل وعلى رأسها الثلاثية التى لم أتعرض فيها لموضوع الدين. 

ولمن يسأل عن سر عدم سفره لاستلام الجائزة وسفر الكاتب الصحفى محمد سلماوى بصحبة ابنتى محفوظ، ذكرت ابنته أم كلثوم فى أحد حواراتها الصحفية أنه لا يحب السفر ولا يحب أن يغير عاداته مهما كان السبب، وظل جالسًا بين الحرافيش يشاهد منح اسمه الجائزة عبر التلفاز. 

وأيًا كان ما ثار ويثار  حول محفوظ نوبل، لكن يبقى أنه مازال بعد خمسة وثلاثين عاما هو العربى الوحيد الذى حاز تلك الجائزة، بعد خمسين عاما كاملة من الإبداع المستمر، رغم أننا نتمنى أن يحين يوم يضاف إلى محفوظ اسم عربى آخر يكون تاليًا له فى الحصول عليها.. فالمستحقون كثر.. ومن يدري.