رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

فى اليوبيل الذهبى لحرب أكتوبر المجيدة

الأبطال يروون أمجاد حرب استعادة الأرض والكرامة

بوابة الوفد الإلكترونية

اللواء مصطفى على حسن بدر قائد سرية الرادار وضابط توجيه الكتيبة 431:

يوم ٦ أكتوبر.. أخذت أردد فى هيستيريا.. الله أكبر الله أكبر... وقلت للقائد:... يا فندم طياراتنا بتضرب اليهود

أسقطنا ٧ طائرات للعدو فى أولى الهجمات بعد سقوط رأس العش 

حاربنا حرباً إلكترونية صعبة باحترافية عالية لاصطياد طائرات العدو 

كبائن المراقبة اهتزت بالتكبير عند تدمير كل هدف من طائرات إسرائيل

 

«بسم الله.. الله أكبر.. بسم الله، بسم الله، وسمينا وعدينا» كانت أغانى عبر الأثير تلهب حماس الجنود على جبهة القتال، وهم فى صيحات متتالية تزلزل أرض سيناء بصيحة الله اكبر، كانت لحظات تحقيق الحلم بالثأر، واستعادة الأرض، لحظات حاسمة، الكل يتسابق لعبور القناة، والطائرات المصرية فوق الرؤوس تدك مواقع العدو الإسرائيلى، وعن هذه اللحظات وما قبلها، وفى ذكرى اليوبيل الذهبى لحرب أكتوبر المجيدة. 

الوفد التقت ببطل من أبطال حرب الكرامة اللواء مصطفى على حسن بدر، قائد سرية الرادار وضابط توجيه الكتيبة 431، ليروى تفاصيل ما عاشه خلال فترة حرب السادس من أكتوبر وعن النجاحات التى تحققت على يد جنودنا البواسل.

يقول اللواء مصطفى: فى اليوم الخامس من أكتوبر لم تقلع طائرات المشروع كما قالوا واستمر رفع الحالة... كل شىء هادئ وها نحن نستمر فى الموقع ما يقرب من الشهر... ولذا قرر الطاقم القديم والخالى من الخدمة قضاء السهرة ببور سعيد... مصطفى درويش ضابط الهوائيات مجدى يسرى ضابط القواذف وأحمد فؤاد قائد فصيلة الضبع الأسود ومراد يوسف ضابط إرسال أوامر التوجيه.... وتوجهنا سيرًا على الأقدام وأخذتنا المعدية غربًا فى زمن ست دقائق ونصف، حتى عدنا إلى المدرسة بعد وجبة السحور، وعلى البوابة وجدت عربة قائد الكتيبة فى الانتظار، وأبلغت بأن المقدم منير ينتظرنا جميعًا، فى الموقع الحربى.. أشرفت الساعة على الثالثة صباح السادس من أكتوبر عندما أعطيت تمامًا للقائد بأننا جميعًا متواجدون فطلب عمل المين بارامتر وأنه يريد الكتيبة مضبوطة على الشعرة دون أن يخبرنا بالسبب. ودخلنا جميعا للنوم... وحاولت بشتى السبل أن أنام ولكن النوم رفض زيارتى.. فتوجهت للصيد بالحوض القريب من الكتيبة بـ٢٠٠ متر، وسمعت قدما ثقيلة تقترب... ممنوع الصيد هنا، ونظرت خلفى ومع إشراقة الصباح وجدت أن المسافة بين الحوض والموقع الحربى مليئة بالمعدات المغطاة بشباك التمويه فأدركت فى قرارة نفسى أن هناك شيئًا غريبًا... وعلى أن أحصل على ساعتين من النوم لمواجهة ما هو أت.

وفى الساعات الأولى من فجر السادس من أكتوبر، استدعانى المقدم وسمعت صوت طائرات فرفعت رأسى فإذا بتشكيل من الطائرات السوخوى المصرية فوق رأسى مباشرة.... أسرعت إلى أعلى الدشمة.. وجدت أربع طائرات تتجه جنوبًا وأربعة شرقًا... وبعد برهة لم أخذ فيها نفسى تحولت النقطة القوية فى رأس العش إلى كتل متلاحمة من النار والدخان والأتربة... وعندما نظرت شرقًا رأيت على بعد انفجارات كثيفة فى منطقة قطع بور فؤاد... أخذت أردد فى هيستيريا.. الله أكبر... الله أكبر... ونزلت سريعًا وفتحت باب الكابينة ودخلت... يا فندم طياراتنا بتضرب اليهود... ولأول مرة أرى بسمة على شفاه المقدم منير، وقال: تعالى يومنا طويل.

اللواء مصطفى علي حسن بدر اثناء حديثه للوفد

وفى عجالة سأحكى ماذا تفعل الكتيبة عن طريق الهوائيات: يتم إرسال نبضات كهرومغناطيسية تنعكس من الأجسام كالطائرات والمنازل والجبال ونستقبلها ونستطيع تحديد إشارات الطائرات وتتبعها وعند دخولها مناطق التدمير يتم إطلاق حتى ثلاثة صواريخ ويتم توجيهها طبقًا لمعادلات خاصة وتفجيرها على مسافة قريبة من الطائرة فتغطى الشظايا الطائرة وتدمرها.. هذا فى منتهى البساطة ما تقوم به الكتيبة وعلى الواقع فالعملية فى منتهى الصعوبة. التدرىب يوفر الكثير من الدماء... والحمد لله وعن طريق خبرات القتال مع الطيران الإسرائيلى تعرفنا على أساليبه وأصبحنا جاهزين ومرحبين بلقائه.

بالعبور وعلى الشاشات اكتشفنا هدفًا معاديًا مقتربًا من اتجاه الجنوب الشرقى وتم التقاطه على مسافة ٢٤ كم، وتم التعامل معه على أنه حامل للشرايك... وأصبحت قريبًا من إطلاق الصاروخ الأول فى حياتى... وراجعت كل المفاتيح... الهدف داخل منطقة الإطلاق المضمونة... دمر الهدف ٣ صاروخ بفاصل ٦ ثانية... أستعد للإطلاق.. الأول.... ولم أسمع صوت انفجار وراجعت بعينى كل أوضاع المفاتيح سليمة... إلا أنه أبى أن ينطلق... وافقت على لمسة المقدم منير لكتفى... التانى يا مصطفى... استعد الثانى.. ومددت أصبعى وأطلقت الثانى... وانطلق... ثم الثالث وانطلق... المسافة ١٠ كم.... شظايا الصاروخ تغطى الهدف والثانى أيضاً.. والهدف تدمر... الله أكبر... الله أكبر... وبين التكبير والتهليل والبكاء أحسسنا بأن النصر قريب.... وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى... صدق الله العظيم.

وبعد رد الفعل الأول ومحاولة الهجوم على القوات القائمة بالعبور وقوات قطاع بورسعيد المهاجمة لرأس العش وقطع بورفؤاد لم يكرر العدو ذلك.. وتأكدنا من تدمير طائرة اخرى، وكانت فرحتنا الأكبر بتدمير تحصينات النقطة القوية فى رأس العش، أما نقطة القطع فقد كبدت المهاجمين خسائر كبيرة لطبيعة الأرض وضيق طريق الوصول إليها واستمرت الكتيبة بالتفتيش على الطائرات باستخدام كل الوسائل المتاحة... سواء ال ب ١٢ أو المحطة.... وتم اكتشاف هدف مجموعة حوالى العاشرة مساء قمنا بالاشتباك به وإطلاق ثلاثة صواريخ واشتبكت كتيبة بلاج الأطفال البتشورا بالهدف الآخر وتم تدمير الهدفين.... وهكذا مضى اليوم الأول من أعظم الأيام فى حياة الإنسان يوم استرداد الكرامة.

وكانت طائرات المعاونة المباشرة المعادية تقترب على سطح الأرض لمهاجمة قواتنا وهى فرصتنا لتصيدها والاشتباك بها.. وكان الاشتباك بها يمثل صعوبة بالغة لطيرانها على ارتفاع منخفض وبارامتر كبير مما يعنى أن زمن بقائها فى منطقة الإطلاق والتدمير صغير جدًا. ويحتاج إلى مهارة عالية فى تحديد توقيت الإطلاق لضمان تدمير الهدف. قطع بورفؤاد على مسافة ١٩ كم... وكانت الطائرات تقترب من اتجاه الجنوب الشرقى حتى تصل للبحر وتقوم بعمل مناورة حادة إلى اتجاه الغرب للتعامل مع قواتنا المهاجمة ثم التخلص فى اتجاه البحر وكان عدد الطائرات لا يزيد على طائرتين فى المرة الواحدة وفى الساعة السابعة والنصف تم اكتشاف طائرتين وتم تتبعهم واتخاذ الإجراءات المضادة للشرايك.

وتم التأكيد على مراد بأننا سنقوم بالاشتباك وتم إطلاق ثلاثة صواريخ وتدمير الهدف... ونجح الاشتباك بفضل إصرار مراد... وتكرر ذلك أربع مرات خلال اليوم ليبلغ عدد اشتباكاتنا إلى خمسة اشتباكات بخمس طائرات أول ثلاثة بتسعة صواريخ، والأخيران بأربعة لطلب قيادة اللواء الاقتصاد فى الصواريخ.

وكان البشر والفرح يكسو وجوه الجميع مع سماع أنباء نجاح العبور وتدفق قواتنا شرقًا بسقوط رأس العش مما يعنى أننا لن نتعرض لأسلحة الضرب المباشر والمدفعية المعادية وبدأنا تشغيل المعدات، وتم إسقاط سبع طائرات معادية وكانت سعادتنا لا مثيل لها، وأخذنا قسطًا وافرًا من الراحة.. وكنت دائم التدريب مع عمال التتبع على أن العدو سنكتشفه على مسافة بسيطة جدًا وعلينا حفظ شكل الكسرات حتى نستطيع التعرف عليه.. وأنه يمكننا الإطلاق قبل تمام التتبع.... وغرقت فى سبات عميق على هذه الأفكار... 

بدأنا قبل أول ضوء وقمنا بعمل الماين بارامتر وضبطنا كل شىء على الشعرة وكانت معدات الكتيبة كالعروس يوم زفافها... كل شىء لامع ومبشر وبدأنا النظام اليومى بالتفتيش عن الأهداف، ولكن كان كل شىء حولنا ساكنًا إلا بعض خطوط السير فى عمق سيناء وأغلبها كانت طائرات نقل ومواصلات معادية... وفى حوالى التاسعة والربع وصلت بلاغات بإقلاع طائرات من مطار العريش وأكدتها بعض بلوتات على شاشة ال ب١٢ فى اتجاه الشمال ثم اختفت... ونظرًا لأن بلاغات لوحة الموقف العام والتى ترد عليها بلاغات المراقبة بالنظر وبلاغات الإنذار فيها تأخير يصل إلى دقيقتين فكان الاعتماد عليها فى التيقظ والاحتراس... وظهرت بلاغات مراقبة تؤكد وجود ٨ أهداف على ارتفاع منخفض غربى بورسعيد وتكرر ذلك البلاغ ثانية.. مما أكد احتمال مهاجمة التشكيل من اتجاه الغرب والجنوب الغربى وفتشت والتقط هدف مجموعة منخفض على مسافة ٢٠ كم وتم إطلاق أول صاروخ عليه ووصل بلاغ من قيادة اللواء أن الهدف مصاب وعلينا الغاء الاشتباك... سحبت المناجل للخارج وحركت الاتجاه حوالى ٢٠ درجة ثم حولت الهوائيات على مكافئ وفى نفس التوقيت انطلقت رشاشات الكتيبه لأول مرة لتنفذ مهمتها فى الدفاع عن الموقع ضد طائرتين معاديتين أعتقد أنهم من قمنا بالاشتباك بهم.. فقمت ثانية بفتح الإرسال على هوائى والتقطت طائرتين تلقيان حمولات وهما مبتعدتان واشتبكنا وتمكنا من إسقاط طائرة منهما... ودخلنا فى المعمعة... وأبلغت سرية الرشاشات بوجود قنبلة لم تنفجر أمام الفصيلة الثانية بمسافة عشرين مترًا... وبمبادرة من قائد السرية ولتأكده أنها قنبلة زمنية يمكن أن تنفجر فى أى لحظة جمع أفراد السرية الخاليين خدمة وحركوا القنبلة بعيدًا عن الفصيلة بمائة متر وأحاطوها بشكاير الرمل. إلى أن حضرت جماعة المهندسين المختصة بتفجير القنابل وفجرتها. وتبين أن العدو استخدم قنابل البلى والقنابل المضادة للأفراد والمحرمة دوليًا على نطاق واسع.. ووقفت طبيعة أرض الموقع الرملية المشبعة بالمياه إلى جانبنا، حيث امتصت كثيرًا من قوة الموجة الانفجارية. للقنابل الثقيلة وامتصت كثيرًا من شظاياها... وكان للاشتباك الدقيق لسرية الرشاشات أكبر الأثر فى القاء الحمولة بعيدًا عن الموقع... ولم نخسر فى هذه الهجمة سوى الأدبخانة الميدانى الشرقية وقامت فصيلة الضبع الأسود بإسقاط طائرة اخرى من الطائرات المهاجمة.....

وفى الساعة ١٢ ظهرًا، قمنا بإلقاء نظرة على خريطة الموقف العام وبمراجعة أعمال قتال العدو الجوى خلال الساعة الماضية تأكد بما لا يدعو مجالًا للشك أن العدو استهدف مهاجمة كتائب صواريخ قطاع بورسعيد... وطالما بدأ فى هذه المهمة فإنه سوف يستكملها دون شك... وعلى الرغم من ذلك فإنه استمر فى تقديم المعاونة الجوية لمواقعه الحصينة فى قطع بورفؤاد، وأعتقد أنه كان يستخدم طائراته القديمه نوعًا فى تنفيذ ذلك وقمنا بتنفيذ اشتباكين كل بعدد ٢ صاروخ مع هذه الطائرات قبل منتصف النهار... وكان الرائد عبدالعزيز العابد مركزًا فى الغرفة على ظهور أى بلاغات مراقبة وركز منير على شاشة الناقل الإكترونى لل ب١٢ وكنا نتوقع مهاجمتنا فى أى لحظة واستمريت فى التفتيش المتقطع وأكدنا على المراقبين الجويين بسرية الرشاشات بسرعة الإبلاغ عن أى أهداف.. وطلبت من عمال المنظور التركيز فى التفتيش.... وكنا جميعًا فى حالة تأهب وانتظار أن يكون هجومه تحت ستر الإعاقة اللإلكترونية واستخدام الصواريخ المضادة للرادار. باتت المواجهة قريبة والله المسلم من كيد المعتدى....

وكانت الصواريخ المحملة كلها متحضرة وجاهزة.. وعمال التتبع قمت بتغييرهم وعمل بلدوزر على الاتجاه ومحمد إسماعيل على المسافة وثابت فهمى تادرس على الزاوية.. كنا مجموعة متألفة متوالفة نفهم بعض برمشة العين.. خمس سنوات وتزيد سويًا... وكانو يفهمون ويعرفون تكتيكات العدو الجوى وأعماله المنتظرة كما أعرفها..... ومن راديو بعيد فى الغرفة سمعنا وردة تشدو... وأنا على الربابة بغنى.

ووصلت بلاغات مراقبة ٨ منخفض فى اتجاه الجنوب... ٨ منخفض بنفذ خطة الحماية المتبادلة ٨ منخفض اتجاه الجنوب، ونكون أو لا نكون أنهم يستهدفون كتائب اللواء بما لا يقل عن أربعين طائرة طبقًا لبلاغات الموقف العام... هدف اتجاه ١٩٠ مسافة ١٥ على الهدف دمر الهدف ٢ صاروخ الأول... ع الهدف المسافة ١٠ كم... الهدف تدمر بلاغ من عامل المنظور. هدف على اليمين قمت بتحريك الهوائيات والتقطنا الهدف وتم الإطلاق وتدميره على مسافة ٨ كم ولم تنقطع أصوات طلقات المدفعية المضادة للطائرات الخاصة بقطاع بورسعيد والوحدات البحربة.. ولم تشتبك سرية رشاشات الكتيبة خلال هذه الهجمة... وتنفيذًا للحماية المتبادلة استمريت فى التفتيش والتقطت هدفًا فى اتجاه الشمال الغربى وقمت بالإطلاق عليه وقبل إطلاق الصاروخ التانى لاحظت كسرة صغير سريعة تتجه نحو الهدف فأيقنت أنه صاروخ لإحدى الكتائب فاكتفيت بما أطلقت وتقابل الصاروخان على الهدف وتدمر، وتأكد تدميره بواسطة عمال المنظور....استغرقت هذه الهجمة ما يقارب النصف ساعة.. مرت كأنها دهر.... وكانت الكبائن تهتز بالتكبير عند تدمير كل هدف.. والذى أعطى لكل واحد فينا حياة حتى لو استشهد فى مكانه... ومرت الثانية.... وعلمت بوجود هدف ثابت وأمرنى منير بالإطلاق الفورى... الكتيبة تهاجم قمت برفع الزاوية وعامل الهوائيات يبلغ أربعة أهداف فى الغرب وعامل المنظور يبلغ عن أربعة أخرى فى اتجاه الجنوب... وتسمع صوت طلقات المدفعية والرشاشات. وقمت بالضغط على زر الإطلاق ولكنى سمعت صوت ارتطام شديد وارتفعت الكابينة بالكامل لتصطدم بسقف الدشمة وترتد إلى الأرض وتفصل القوى الكهربائية وتعلو الأتربة وتظهر رائحة غاز غريبة للغاية.. ويرتدى الجميع الأقنعة الواقية ولا تنقطع أصوات طلقات المدفعية والرشاشات، وفى ظل هذا الجو والدخان والتراب والغاز الذى اتضح أنه مؤكسد... وجدت الفريق شفيق قديس ورجالته السعودى ومحمد نجحا فى إطفاء حريق جزئى فى أحد الديازل... ولاحظت أن أكثر التدمير قد أصاب الصواريخ التى مازال المؤكسد تتصاعد أبخرته منها ووجدت مجدى يحاول تفريغ أحد الصواريخ غير المصابة وبدأ جهاز الـ ب١٢ على بعد سليمًا. وأخذت تمامًا بالسرية ولا يوجد مفقودون.. 

وحتى يكون القارئ فى الصورة سأروى قليلًا عن الهوائيات تتكون كابينة الإرسال والاستقبال من الكابينة ووزنها ١٢ طنًا وتحمل هوائيًا مكونًا من ثلاثة أجزاء كل منها يزن طنًا وهى الشبكة وهوائى الزاوية وهوائى الاتجاه والذى يتصل به هوائى إرسال أوامر التوجيه.... وبالقطع فإنه يتم استخدام ونش ومجموعة كبيرة من الأفراد لفك الهوائيات وتحميلها على المقاطير وهذه الكابينة محاطة بساتر دائرى من شكائر الرمل لحمايتها من شظايا القنابل ولتثبيت الونش وفك الهوائيات لا بد من إزاحة ساتر المدخل، وهو عبارة عن سبعة آلاف شيكارة يجب وضعها جانبًا بحيث لا تشكل إعاقة لحركة الونش أو المقاطير وكان مطلوبًا أيضاً تحريك مولدات القوى ولها ساترين كل من أربعة آلاف شيكارة وأعطيت جنودًا سرية الرشاشات لالفريد وأرتينا حبشى لإزاحة ساتر الشكائر.. وصعدت بقوة السرية وكل ضباطها إلى دشمة الهوائيات... كلنا واحد ضابط أو صف أو عسكرى الهوائيات دى مش أول مرة نفكها بس دى أهم مرة أول ما نسمع الرتالة.. يعنى فيه هجوم جوى حنجرى على الدشمة أو الحفر.. ومع الرتالة التانية حنطلع نكمل شغل... وتوجهت بشخصى ورفعت أول شيكارة وناولتها لمن هو جوارى.. وبدأ العمل والساتر يتلاشى.... إلى أن بدأت أصوات دانات المدافع الـ٣٧ مم والرشاشات تظهر وسمعنا الرتالة وجرى الكل ليأخذ ساترًا... 

بدأت المدفعية فى الاشتباك وضربت الرتالات وبدأت سربة الرشاشات فى الاشتباك وهرولنا جميعًا إلى الدشمة، وسمعنا صوت انفجار شديد وانفجارات أخرى مكتومة ورأيت صاروخًا ينفجر فى القاذف القريب من باب الدشمة وسقط جزء من ساتر الشكاير على المدخل.. واستمرت سرية الرشاشات فى الاشتباك.. 

أرسلت كابينة التوزيع أربع قذائف من الكتيبة ٤٣٤ وونش ضخم من هيئة قناة السويس لاستخراج قواذفنا المدمرة... وعند استخراج القاذف الأخير تم اكتشاف جثة شهيد بدأت فى التحلل وتبين أنها لمجند مستجد فى سرية النيران وصل الكتية يوم ١٠/٣ وقبل منتصف الليل كان هناك أربع قواذف صالحة حول الدشمة.... وبذل مجدى ورحال سرية النيران مجهودًا كبيرًا فى تغطيتهم بشباك التمويه... وأصبح شكل الموقع يوحى بعدم الحياة..........

وبعد صلاة العشاء

سمعت صوت المدفعية ال م. ط بكثافة.. فقلت لنفسى الطائرات مازالت بعيدة... وعندما سمعت الرشاشات جلست على السرير ووضعت الخوذة على رأسى وإذا بصوت رجة شديدة وباب الحجرة يطير من مكانه ويرشق فى الخوذة. التى حمتنى من القتل.... وتبين أن طائرتين هاجما الموقع الشبه خالى وكأنهم وجهوا قنابلهم إلى أحداثى معين بصرف النظر عن محتواه.

وفى فجر العاشر من أكتوبر هرول الجميع إلى خارج الحجرة بعد ذلك الانفجار العظيم وحمدنا الله أنه لم يصب أحد ووجدنا أن السواتر الرملية قد سقطت.. وجلس الجميع لالتقاط الأنفاس.. وفى الخارج وجدنا حفرة عميقة مملوءة بالمياه مكان سقوط وانفجار القنبلة.... وجمعنا الأفراد وأكدنا عليهم جميعًا بضرورة الراحة نهارًا لأن العمل الشاق سيبدأ بعد آخر ضوء وعلمنا أن هوائى الاتجاه وكابينة التوزيع قد وصلا إلى منطقة الانتشار ولم يبق غير كابل إرسال الأوامر والذى أكد كبير المهندسين الرائد الحفناوى أنه موجود فى الاحتياطى. واستمرت الغارات طوال النهار ولكن ليست بكثافة يوم 8/10، حيث تبين أنه تم الهجوم فى ثلاث موجات الأولى بقوة ٢٠ طائرة والثانية والثالثة بقوة ٥٥ طائرة، وأعتقد أن الهدف كان عزل بورسعيد واستغلال النقاط التى لم تسقط فى قطع بورفؤاد فى عمل إنزال بحرى أو إسقاط جوى والاستيلاء على المدينة كرد اعتبار للعبور المصرى العظيم ولرفع الروح المعنوية المنهارة للشعب الإسرائيلى... ولكثرة الخسائر والاستعادة الجزئية للصواريخ المضادة للطائرات جعلته يستبدل هذه المهمة بثغرة الدفرسوار... هذا من محض تفكيرى بعد كل هذه السنوات الطوال علمت أيضاً أن كتيبة عصمت بشير والتى كان رئيس عملياتها قد وصلت إلى بورسعيد وقد تم استبدال قائد الكتيبة بالرائد الحسينى عبدالحميد قائد الكتيبة ٤٣٤ وسيقومون باحتلال موقع قطع بورفؤاد وهو شرق المدينة بعشرة كيلومترات وطريق الوصول إليه غاية فى الصعوبة وتبعد فقط عشرة كم عن المواقع المحصنة المعادية.

كما أن موقع المزرعة فى مقابر بورسعيد والذى كان محتلًا بواسطة الكتيبة ٤٦٣ كتيبة صلاح عامر ومحمد عبدالعظيم وأحمد سعد تم احتلالها بواسطة كتيبة احتياطى قائد القوات.. الكتيبة ٤١٨ بقيادة الرائد أيمن سيد أحمد حب الدين... وفقهم الله جميعًا فى حماية سماء هذه المدينة المصرية الباسلة وقولة حق وشكر أتوجه بها إلى الأطقم الإدارية فرغمًا عن كوننا شرق القناه فلم يتأخر التعيين يومًا ورغمًا عن الغارات المستمرة لم ينضب أو يقل الماء لحظة... إنهم جنود مجهولون ولولاهم ما كانت مهمة ستنفذ أو انتصار يتم الحصول عليه... أشكر الملازم أول احتياط مصطفى كامل ابن الشرقية وضابط شئون إدارية الكتيبة... وشكر خاص لعبدالله عبدالستار ومحروس أبوالتسعة... وضباط ٤٣١ بالقطع سيعرفون من هم.... وقبيل العصر أعدنا بناء سواتر الشكائر داخل الدشمة وتأكد مجدى يسرى من سلامة توصيل كابلاته وراجعنا دشمة الهوائيات حتى نتأكد أنه لا توجد موانع للاحتلال وكانت الوجوه باسمة مشرقة وكانوا يتبادلون القفشات والنكات سعادتهم لا توصف كأنهم يجهزون لحفل عرس لأحد الأحباب.

وتم توصيل الكابلات إلى الإرسال والاستقبال وقمت بإجراء الاختبارات الوظيفية والحمد لله المحطة جاهزة ثلاثة قنوات وأربعة قواذف... وأخذنا نستعجل الكابل الذى تم إرساله على عربة كراز... ولمحنا ضوء صغير مقترب عن بعد ميزناه بأنه ضوء الكراز.... وأخذ الأفراد يهللون.. 

وأحضروا الكابل الموجود فى صندوق خشبى... وفتح الصندوق.. وإذا الكابل غير الكابل... وكان كبير المهندسين موجود.. جاء مع العربة... وأكد أنه أحضره بنفسه ولا توجد كابلات غيره ومكتوب عليه رقم العينة نفسها.... دا كابل بيوصل بين ال ب١٢ وكابينة القيادة والتوجيه، وأنقلب العرس إلى مأتم يافندم أحنا عملنا كل حاجة وجاهزين... هاتو الكابل من الكتيبة ٣٤... دى كابينة الإرسال والاستقبال بتاعتها أخذت إصابة مباشرة.. 

أنه مصاب جلل أحسست أن جسدى يخور وقواى تضمحل..... بعد كل هذا المجهود والعمل المستمر يضيع عرق الرجال ويخسر الدفاع الجوى عن بورسعيد ثلث قوته.... عجز تفكيرى وأصيب بالشلل لفترة ليست بالقليلة... لم يكن لدى ما أقوله للجنود. أود استمرار حبل الثقة بينى وبينهم... وفجأه لمعت مجموعة من الطلقات الكاشفة فى السماء... ما هذا... وكانه دلو من الماء البارد قد سقط على رأسى وجسدى.... نحن نقترب من الفجر ولا داعى لتكرار ما حدث قبلًا وعلينا فك المعدات ونشرها قبل أول ضوء وإلا كان دمارها أكيد وجريت إلى المقدم منير أسكنه الله فسيح جناته على صبره وجلده وحسن قيادته للرجال... وابتسم عندما رأنى... فاكر أول صاروخ حبيت تطلقه... لم ينطلق يا فندم.... طيب فاكر آخر صاروخ حبيت تطلقه.. لم ينطلق يا فندم.... دى مشيئة الرحمن الأول والأخير ما يطلعوش وبينهم ٢٧ صاروخًا ناجحًا... ربنا عايز كدا... طاقم الدفاع الجوى جاى فى الطريق.. 

وإحنا نجهز للتحرك والانتشار لكل المعدات عدا الكابينتين اللى فى الدشمة..... وجمعنا له الكتيبة بالكامل.... شكر الرجالة وسألهم... حد فيكم قصر فى حاجة... حد فيكم حاسس بتانيب الضمير... أنتم عملتم فى ٤٨ ساعة اللى محدش عمله... وإحنا حننتشر وننتظر أوامر القيادة... إتوفر الكابل حندخل واجب العمليات... كل واحد إيده فى إيد زميله فات الكتير وباقى القليل.

وفى اليوم الحادى عشر من أكتوبر، وفى أقل من ساعة زمن كانت المعدات المحددة خارج موضعها القتالى ومقطورة وجاهزة للتحرك... وقبيل أذان الفجر تحرك القول للانتشار فى مدينة بورفؤاد انتظارًا لمفاجآت جديدة... وحضر إلينا كثير من ضباط الوحدات المجاورة يتمنون أن نبقى وكأن الأمر بأيدينا... ورفض غالبية الضباط قضاء ساعات الراحة فى غرفة الدشمة وكأنها أصبحت مسكونة... وامتلأت الدشمة عن آخرها بالأفراد للراحة وطلبا للأمان من السماوات المفتوحة خارجها... وتم التنبيه عليهم بعدم الجلوس أو النوم قريبًا من الشكاير التى قد تنهار عليهم.

وفى حوالى السابعة صباحًا تم استطلاع الموقع بواسطة طائرتين على ارتفاع منخفض.. حاولت سرية الرشاشات الاشتباك معهما..... وأرسل منير فى طلبى مع باقى قادة السرايا ورئيس العمليات حوالى منتصف النهار وأخبرنا أن الكابل غير متوفر وأننا سنتحرك إلى المصنع فى القاهرة لرفع الكفاءة فور صدور الأوامر سنتحرك دون جهاز ال ب١٢ وسيتم تحرك الإدارى بجميع عناصره... 

وبالطبع لم نكن نستطيع إجراء أى تحرك إلا ليلًا ولكن يمكننا التجهيز وأخبرنا أن معدية واحدة هى التى يمكن استخدامها للعبور غربًا إلى بورسعيد وعلينا البدء بعد آخر ضوء حتى بتثنى عبور كل المعدات والزفراد والتحرك خارج بورسعيد قبل أول ضوء...... 

وبعد الانتهاء من التحميل على المعدية فوجئنا بطائرتين قادمتين من الجنوب ودانات المدفعية المضادة تتابعهما... واختفيا فى اتجاه الشمال... وبدأت المعدية فى التحرك وفى نصف المسافة عادت الطائرتان وأسقطت كل منهم قنبلة على مسافة ليست بالبعيدة، وسبب انفجارهما أمواج عالية وعدم ثبات للمعدية.. ولكن الله سلم ولم يرد أن تكون نهايتنا فى قاع القناة... 

وانضممنا على باقى القول والذى فضل منير أن يسير على دفعات كل من خمس عربات الفاصل بينها ربع ساعة... على أن تكون وقفتنا الأولى بعد عزبة البرج وأثناء مرورى على الطريق حاولت أن استكشف موقع الكتيبة ٤٦٣. فلم أجد سوى دخان... وتيقنت أن الكتيبة ٤١٨ التى احتلت حديثًا تستخدم الدخان.. وفوجئت بطيران صاروخ منها.. ودعوت لهم بالتوفيق لم يكن تركنا لبورسعيد سهلًا على النفس.. ولم يكن مستساغًا أن نعود قبل أن تضع الحرب أوزارها ولكنها مشيئة الله.

وفى ليلة الوداع كانت الكتيبة ٤٣١ هى أولى كتائب الدفاع الجوى الدفينا التى عبرت قناة السويس استعدادا لحرب أكتوبر، وكان ذلك يوم السابع عشر من أغسطس 1972، حيث عبرنا إلى بورفؤاد فى وثبة واحدة وباستخدام معديتين من معديات هيئة قناة السويس واستطعنا بالكاد أن نعبر فى ليلة واحدة ونجهز قبل أول ضوء... فهل تستطيع معدية واحدة تنفيذ هذه المهمة... لن أدخل معكم فى حسابات لا أود ذكرها الآن ولكن لن نستطيع التنفيذ إلا إذا بدأ الإدارى بالتحرك من الآن وهذا أيضاً لا يمكن الجزم به لأنهم يحتاجون وقتًا للتجهيز للتحرك من جهتى بدأت فى تجهيز الكابينتين للتحرك وإزاحة ساتر الشكائر بعد صلاة العصر وكنا على الطريق بعد صلاة المغرب وانتشرنا فى أحد الشوارع المؤدية إلى المعدية.. وتقابلنا جميعا فى المدرسة والتى أصبحت خالية من أى تجهيزات بعد تحميلها وعبورها إلى الغرب.. وانتظرت طويلًا حتى أعبر إلى الغرب بآخر معدة من معدات سرية الرادار وقضيت هذا الوقت متجولًا فى الشوارع للتتميم على المعدات والرجال وسؤالهم إن كانوا بحاجة لشىء.. وأثر فى كثيرًا ضابط ال ب١٢ والتى قررت القيادة بقاءه واستمراره فى الموقع.