رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

على فكرة

كشف الحوار الذى أجرته قناة فوكس نيوز الفضائية  الأمريكية مؤخرا مع الأمير «محمد بن سلمان «ولى عهد المملكة العربية السعودية، وحظى بردود فعل محلية وإقليمية ودولية متعددة، مدى إدراكه لكثرة تعقيدات الوضعين العربى والدولى الراهنة، ورؤيته الواضحة الملامح التى يقود بها المملكة للتعامل معها ومع تعقيدات الوضع الداخلى فى المملكة، وفطنته لحجم  التحديات التى تواجهه من ضغوط أمريكية أسفرت المبارزة بينه وبينها على تحييدها ودفعها للحديث عن المنافع المتبادلة بين الطرفين، وقوى اجتماعية ودينية محافظة تتمسك بامتيازات منحها لها ماض يجرى تقليبه وتنقيته من رواسبه المخيفة، ويلزمها الأمير بأن لا أمل فى استعادته، بإرساء معالم دولة القانون وحكم القضاء بمرونة وتشدد وقتما تقتضى الحاجة. 

نجح الأمير الشاب الطموح الذى يعيد بناء الدولة السعودية الحديثة من جديد، فى عالم تعصف به المتغيرات من كل جانب، وواقع عربى مثقل بالأزمات وأخذ فى التراجع، بعدما أطاحت رياح الربيع العربية الهائجة بعدد من دوله، وأصابتها بهشاشة سياسية غير مسبوقة، أمست تهدد الكيان الوجودى لها، نجح برؤيته الإصلاحية العصرية التى وضع ملامحها فى خطة 2030، أن ينجو ببلاده من أنواء الربيع الحارقة، ويعمل كما كشف الحديث عن الخطة التالية 2040، التى تتيح للمملكة اقتناص الفرص والحصول على المزايا، من مجالات التقدم المتلاحق فى وسائل النقل وسلاسل التوريد، وبناء شبكات البنى التحتية العابرة للقارات، وإدارتها بما يجعلها طرفا فاعلا مأخوذا بعين الاعتبار فى ساحة المنافسة الدولية فى تلك المجالات التى تعزز المساهمة بها اقتصاديات الدول ومشاريعها التنموية.

أظهر الأمير فى حديثه أملا عريضا فى المستقبل وثقة واضحة بالنفس وبقدرات البلد الذى يقوده، ويمثل الشباب 60% من سكانه البالغ عددهم أكثر من 45 مليون نسمة. وفى العام الماضى غدت المملكة الأسرع نموًا بين مجموعة الدول العشرين فى القطاع غير النفطى. وفى القطاع النفطى لاتزال السعودية تمثل نحو 70 % من القدرة الاحتياطية النفطية فى العالم، لتكتسب بذلك مكانة متميزة، أمدتها بقدرة على تصدير النفط إلى الأسواق العالمية، حتى فى زمن الأزمات، هذا فضلا عما أمدها من قدرة سياسية تفاوضية أبعد مدى من جانبها الاقتصادى. ولا أدل على ذلك من دورها فى منظمة أوبك بلس الذى رفضت استخدامه لأسباب سياسية فى الحرب الدائرة الآن فى أوكرانيا.

ما الذى سيتطلبه الأمر منكم لتوافقوا على تطبيع العلاقات مع إسرائيل؟ كان ذلك السؤال متوقعا من القناة الأمريكية، ولأننى ممن يتهمون بالأخذ بنظرية المؤامرة من فرط ما أدمى مخططوها عبر التاريخ بلادنا، فربما يكون هو الهدف الأصلى لإجراء المقابلة. وتوقفت أمام إجابة سمو الأمير طويلا وأنا أستمع للحديث على شاشة القناة وأعيد الاستماع إليه، وقراءته فى النصوص المنشورة. فالحديث داخل إسرائيل وفى كواليس السياسة الأمريكية وصحافتها ومراكز أبحاثها، لا يتوقف منذ شهور، عن أن عودة المفاوضات بين الجانبين الفلسطينى والإسرائيلى، أضحت مرهونة بتطبيع العلاقات بين إسرائيل والمملكة السعودية. 

ومفهوم أن المكانة الدينية الرفيعة التى تحظى بها المملكة السعودية فى العالم الإسلامى، فضلا عن دورها فى الإقليم وفى السياسة العربية، والنجاحات التى أحزرتها فى السنوات الأخيرة لتنويع مصادر دخلها وتعدد تحالفاتها الدولية القائمة على المنافع المتبادلة، بما دعم اختياراتها السياسية والتنموية والاقتصادية  فى الساحة الدولية، كل ذلك قد جعل من خطوة مثل تلك هى الجائزة الكبرى للرؤية الأمريكية التى ترهن أمنها القومى بأمن إسرائيل. كما هى مطلوبة كدعم للرئيس الأمريكى بايدن فى حملته لخوض الانتخابات الرئاسية العام القادم. وهى من ناحية أخرى تخرج  رئيس الحكومة الإسرائلية نيتنياهو من أزماته الداخلية  وتنقذ تحالفه الحكومى من السقوط، وتشكيل حكومة جديدة، بعد جولة انتخابات نيابية أخرى. 

لكن تلك الجائزة الكبرى يمكن أن تجلب مكاسب أكثر من مجرد دعم لعبة ابتدعتها إسرائيل وهى التفاوض من أجل التفاوض، وليس التفاوض للوصول إلى حلول تعيد للشعب الفلسطينى حقوقه التى تقرها المواثيق وقرارات الشرعية الدولية، والمبادرة العربية للسلام التى تقدم بها الأمير «عبدالله « لقمة بيروت العربية عام 2002 والقائمة على التطبيع مع إسرائيل مقابل استعادة الأراضى العربية المحتلة، أى السلام مقابل الأرض.

فى إجابته عن سؤال القناة نفى الأمير  محمد بن سلمان توقف المحادثات مع إدارة بايدن بشأن القضية الفلسطينية التى اعتبرها مهمة للغاية بالنسبة للسعودية، وتمنى أن تصل المفاوضات إلى ما يسهل حياة الفلسطنيين ويجعل إسرائيل أحد اللاعبين فى الشرق الأوسط. وأكد أنه وللمرة الأولى هناك شيء جديد، وسنرى كيف ستسير الأمور. 

بعد أيام قليلة من حديث ولى العهد السعودى، أعلن نتينياهو من على منبر الأمم المتحدة عن تطبيع العلاقات بين إسرائيل والسعودية، واعتبر ذلك انجازا تاريخيا. وقبل أن أجثو على قدمى متوسلة إلى الله أن يمد المملكة بالصلابة التى تبطئ وترهن خطوات إجراءات التطبيع بحقوق فلسطينية مشروعة ومحققة على أرض الواقع، وقبل أن أرسل إلى ٍسمو الأمير عبر وسائل التواصل الاجتماعى قصيدة أمل دنقل لا تصالح، سمعت صوت محمد عبد الوهاب يأتى شجيا من إذاعة الأغانى وهو يشدو كأنه يجيب عن سؤال القناة الأمريكية  «أأنا العاشق الوحيد لتلقى تبعات الهوى على كتفى»!