أشكر الله على نعمه، وأقدر محبة الناس، وسؤالهم الدائم، وأوقن أن دعاء الأصدقاء والمحبين كان لنا دوماً حصناً وسنداً فيما واجهنا من محن، وعايشنا من صعاب.
وكما اختبرنا الله بوعكة صحية صعبة مؤخراً، مَنّ الله علينا بالعافية، وفتح أمامنا أبواب الشفاء، وحفظنا من كل شر، ودفعنا أن نتفكر، ونتدبر، ونشكر الله على كل لحظة تمر من أعمارنا ونحن أصحاء. فكم هو عظيم أن نسير دون ألم، ونتحرك دون كلل، ونعمل دون عائق جسدى.
وكما قال جبران خليل جبران، فإن شيئين يغيران نظرتك للحياة وهما المرض والغربة؛ لذا فقد كتبت من قبل بعض الخواطر حول المرض قلت فيها إنه يعلمنا وينبهنا إلى ضرورة ترتيب أوقاتنا بما يلزم لمنح كل أمر حقه تماماً، فالمرء فى بعض الأحيان ينغمس فى العمل انغماساً شديداً لدرجة تجاهل جوانب أخرى مهمة فى الحياة، وعدم العناية اللازمة بالصحة. ويبدو أن الإنسان ينسى أن قطار العمر يمضى سريعاً، فيعمل فى الخمسينات والستينات بالمعدل ذاته الذى كان يعمل به فى العشرينات والثلاثينات، مكرراً الجهد المبذول نفسه دون أن يدرك أن طبائع الأجساد تتغير بتغير العمر.
أتذكر جيداً أننى كُنت أعمل فى بدايات مشوارى المهنى لعدة أيام متصلة، وكنت أحياناً أسهر بملابسى فى العمل لصياغة وإعداد قانون ما، أو كتابة مذكرة مهمة، وكان كل ذلك طبيعياً فى شبابى، وكُنت سعيداً به انطلاقاً من حماسى لعملى ومحبتى له، لكن غالباً فإن استمرار الجهد بنفس معدلاته لسنوات وسنوات لم يكن أمراً صحيحاً.
لقد كتبت من قبل إن طاقة الإنسان مهما اتسعت هى طاقة محدودة، لذا فإن لأجسادنا علينا حقًا، ولنفوسنا علينا حقًا، ولمن يحيطون بنا علينا حق، وهنا فإنه لزاماً علينا أن نعطى لكل ذى حق حقه دون إفراط أو تفريط.
والآن وبعد وعكة طارئة، أرى أن المرء يحتاج فى كل فترة لوقفات تعبوية، يجدد فيها أولوياته، ويعيد ترتيب اهتماماته، ويراجع قرارته وتوجهاته. وبالقطع فإننا فى حاجة لازمة لتخفيف هواجسنا وتصوراتنا عن الغد، ونتحلى بالصبر والرضا، ونتجنب إهدار الوقت فيما لا يجدى، وإهدار الجهد على ما لا يفيد.
إن هناك كثيرًا من الأمور العويصة التى تشغلنا، وتضع فوق كواهلنا تلالاً من الهموم، رغم أننا لا نملك حيالها شيئاً. وهناك مخاوف متكررة تزورنا كل حين بشأن ما هو قادم متصورين أن المستقبل يحمل أخطاراً، رغم أننا لا نعرف يقيناً شيئاً عما هو قادم، فنبدد لحظاتنا الراهنة قلقاً وتشاؤماً من مستقبل غير معروف.
وفى اعتقادى، فإن التفاؤل هو حائط الصد الضرورى لمواجهة كل محنة، فمن ينتظر خيراً، تتجمع فى ذهنه الأفكار الإيجابية، ويفكر بإيجابية، ويختار أفضل الطرق. وفى المرض تحديداً فإن علينا التفاؤل والصبر، فبهما تسمو لديه المشاعر، ونعبر إلى بر الشفاء سريعاً. ولا عجب أنه ثبت علمياً أن الحالة الصحية للإنسان تتحسن بتحسن حالته النفسية.
يحثنا المرض أيضاً على أن نجدد تقديرنا للعلم، والعلماء، ونفكر فى أحوال الصحة فى بلادنا، ونطرح الأفكار، ونقدم المبادرات النافعة، ونستحث المسئولين على توسيع الإنفاق على الصحة العامة باعتبارها المشروع الأهم للناس، خاصة أن هناك كثيرين فى بلادنا يعانون بسبب سوء أحوال الصحة.
وسلامٌ على الأمة المصرية.