رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حكاية وطن

أتيحت لى زيارة برلمانية رسمية إلى برلين مع مجلس الشعب المصرى الذى كان على رأسه رئيس مجلس الشعب الدكتور أحمد فتحى سرور فى مبنى البرلمان الألمانى «البوند ستاج». هذا المبنى العريق الذى يقع فى قلب برلين على مقربة من الحائط الذى كان يفصل بين برلين الشرقية وبرلين الغربية، ويقف شاهدا على تاريخ طويل من التقلبات السياسية التى عاصرتها ألمانيا، المبنى عايش نشوء أول دولة قومية ثم تغيب الديمقراطية فى الحقبة النازية.

الجديد فى زيارة البرلمان الألمانى بالنسبة لنا أو لى كصفحى هو أن أبوابه مفتوحة بصفة دائمة أمام المواطنين الألمان والسياح الذين يتوافدون على زيارة العاصمة برلين على اختلاف قومياتهم وأصولهم، ولم يكن مقصورًا على الساسة أو النواب أو الحكومة. وتشير إحصائية حديثة نشرت العام الماضى إلى أن قرابة ثلاثة ملايين زائر قاموا بزيارة مبنى البرلمان الألمانى خلال العام، كما يبلغ عدد الزائرين يوميا له حوالى ثلاثة آلاف زائر.

وبهذا ينتمى البرلمان الألمانى إلى مجموعة قليلة من برلمانات العالم التى تفتح أبوابها، تعزيزاً لمبدأ الشفافية المطلوبة. ولا يحتاج الأمر إلى موافقة مسبقة للدخول إلى القبة الزجاجية، أما التجوال فى أورقة المبنى فيتم الحجز فى قسم الزائرين.

ويمكن للأشخاص الذين يحصلون على هذه الموافقة التجوال فى الأجزاء الجديدة والأخرى القديمة من المبنى، حيث تكتسى بعض الجدران ببقايا كتابات الجنود السوفيت إلى عام 1954.

يعود تاريخ إنشاء مبنى البوند ستاج إلى عام 1884، حيث بدأ المعمارى الألمانى باول فالون بالإشراف على تشييد المبنى الذى انتهى العمل فيه عام 1894، وبعد أن اتسعت المدينة الضخمة بات المبنى اليوم يقع فى قلبها، وقد تم تشييده على طراز البناء المعروف بعصر النهضة الجديد، حيث تتداخل قبة العناصر الفنية لعصرى النهضة والباروك، وحتى عام 1918 كان المبنى مقرًا للرايخستاج فى زمن الإمبراطورية الألمانية التى قامت عام 1871 بعد انتصار الألمان على الفرنسيين فى الحرب السبعينية «1870-1871». وعلى الرغم من أنها كانت مكونة من اتحاد مجموعة من الإمارات الألمانية تحت قيادة عائلة هوهنتسوليرن البروسية، إلا أن هذه الأمبراطورية كانت أول دولة قومية فى ألمانيا، وبعد ذلك بأعوام أصبح المبنى مقرا لبرلمان جمهورية فايمار.

بعد أربعة أسابيع من تسمية هتلر مستشارا للرايخ الألمانى التهمت النيران قبة المبنى فى ليلة الثامن والعشرين من فبراير 1933، وانتشرت النيران لتلتهم قاعة الاجتماعات الرئيسية وبعض الغرف الأخرى، وعلى الرغم من أن الكثير من المؤرخين يذهبون إلى أن الحريق كان متعمدا، إلا أنه لم يتم تحديد المتورطين فيه حتى اليوم.

فى طريق العودة إلى القاهرة دخلت فى حوار مع النواب والأمين العام للمجلس وأبديت رغبتى فى فتح مبنى البرلمان المصرى أمام الزيارة للشعب والسياح ليعرف المواطنون التاريخ العريق لهذا المبنى الذى يقع فى قلب القاهرة كقيمة تاريخية معمارية شامخة، ويعد رمزًا لقيم ومبادئ كافح من أجلها الشعب المصرى سنين طويلة.

بصراحة أعجبنى تجول المواطنين فى البوندستاج وأنهم يجدون من يرد على أسئلتهم دون خوف ودون منع من أمام البوابات أو حتى من الشارع، مبنى البرلمان المصرى شهد أحداثًا هامة فى تاريخ مصر الحديث ومسيرة العمل الوطنى منذ افتتاحه عام 1924، ليستقبل أول برلمان مصرى حديث بعد صدور دستور 1923، وعقدت داخل هذا المبنى الجلسة الأولى لمجلس الشيوخ والنواب يوم السبت 15 مارس 1924 هذا المبنى شاهد على وقائع أكثر من 150 عاما من الحياة السياسية والنيابية فى مصر، ويحمل المبنى قيمة فنية ومعمارية هامة، وشيد على طراز جمع بين الأساليب المعمارية والأوروبية فى أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين وبين التأثيرات الإسلامية فى العمارة والفنون.

ومن أجل الحفاظ على التراث المصرى، تم إنشاء متحف مجلس الشعب داخل البرلمان والذى يأتى فى موقع الصدارة بين المتاحف المماثلة فى العالم ويضم مستنسخات أثرية لأقدم ما أبدعته البشرية عن وثائق وتشريعات وقوانين ومعاهدات، ويشغل المتحف قاعتين تضم الأولى مقتنيات مختلف العصور الفرعونية والإسلامية، ونصوصاً تشريعية باللغة الهيروغليفية ونموذجا لحجر رشيد ووثائق محاكمة الزعيم أحمد عرابى عام 1882 ووثائق قضية اغتيال أحمد ماهر رئيس وزراء مصر داخل البهو الفرعونى. كما تعرض القاعة الثانية مجموعة مهمة من الوثائق الدستورية والبرلمانية والعديد من اللوحات الزيتية والصور الفوتوغرافية لرؤساء المجالس النيابية المصرية، وصورًا لحكام مصر منذ أسرة محمد على، ووثائق دستور 1923، ومجموعة متنوعة من الميداليات الذهبية والفضية والبرونزية مهداة من العديد من رؤساء البرلمانات العالمية، ونص أول معاهدة سلام فى التاريخ، واتفقنا على أهمية فكرة فتح مبنى البرلمان أمام المواطنين والسياح والزيارة ولكن توقفت عملية التنفيذ وانتصرت المتاريس الحديدية حتى علنية الجلسات لم تتم وفقا للدستور وحتى اليوم.