رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

على فكرة

ليس من المبالغة القول إن ثورة الثلاثين من يونيو التى نحتفل بعيدها العاشر لم تنقذ مصر  من فاشية دينية فحسب، بل امتد أثرها كذلك لكل دول المنطقة، بعد أن مكنت لحظة وعى تاريخية المصريين من فضح مخطط جماعة الإخوان ومشروعها الفوضوى لتفتيت دول المنطقة، وإدخالها فى أتون حروب أهلية تمنح الشرعية للتدخلات الخارجية، بطمس الهوية المصرية، لبث الفرقة بين أبناء الوطن الواحد، والعبث بمؤسسات الدولة، وتحطيم قدرتها على القيام بمهامها للخدمة العامة، وإضعاف مقاوماتها لخطة أخونتها، ومصادرة حاضرها ومستقبلها لصالح ماض مظلم، يحولها بدعم غربى وإقليمى إلى إمارات دينية فى دولة الخلافة المزعومة. 

ولعل الاحتفال الحقيقى بالعيد العاشر لتلك الثورة الشعبية الملهمة التى غيرت فى مصائر المنطقة، ولم يكن الطريق لإنجازها سهلا ولا مفروشا بالورود، أن يستدعى النظر إلى التحديات الحقيقية التى باتت تواجهها. وبرغم رفض المصريين بدعم سخى ومخلص من الجيش السماح بالعبث بهويتهم التى تشكلت عبر مراحل التاريخ من سبيكة متجانسة نهلت من تجارب وثقافات العهود الفرعونية واليونانية والرومانية والقبطية والإسلامية، فإن تلك الهوية تتعرض يوميا للعبث من قبل جماعة الإخوان وأنصارها من التيار السلفى. 

فقد سقطت جماعة الإخوان من سدة السلطة، لكنها لاتزال تسيطر على مفاصل المجتمع المصرى، وتتغلغل فى مؤسسات الدولة وفى الإدارات المحلية والتعليمية والثقافية، بشكل خفى أحيانا ومعلن فى كثير من الأحيان، بما يعنى عدم الخشية من المراجعة أو المساءلة. والمسألة لم تعد متعلقة فقط بالعجز عن تجديد الفكر الدينى، لكنها تتخطى ذلك إلى ما يبدو أنه حماية تضفيها على ذلك التغلغل، مواقف بعض المؤسسات الرسمية التى تظن أن مسك العصا من المنتصف يمكن أن يشكل حلا، بينما هو فى الواقع يمنح التيارات المتاجرة بالدين فرصًا فائضة للتأثير فى جمهرة من البسطاء لم يشاركوا فى العمل السياسى، ويشكل الدين لديهم ملاذًا من ضغوط ثقيلة تفرضها الحاجة والفقر. 

يخطئ من يظن أن الأزمة الاقتصادية الراهنة قد تشكلت خلال السنوات العشر الأخيرة فقط بسياسات غير موفقة، ويتغاضى عن أنها كذلك إحدى ثمار الفوضى التى سادت بعد انتفاضة يناير 2011، والإرهاب الذى استنزف موارد الدولة وجهود مؤسساتها الأمنية وحياة أفرادها طوال هذا العقد، للتصدى لجحافله فى سيناء والوادى، التى استعانت بهم جماعة الإخوان وأنصارها للتصدى لما أسمته الانقلاب على الشرعية. لكن النتيجة التى لا ينبغى تجاهلها أن تلك الأزمة قد باعدت بين المواطنين وبين صانعى القرار فى المؤسسات الرسمية، بحكم الغلاء الذى يعجزهم عن تلبية متطلبات الحياة، والتحريض الذى يوظف معاناتهم لصالح جماعة الإخوان وداعميها من القوى الخارجية والداخلية، لكن أخطر ما أسفرت عنه تلك الأزمة هو الزج بالجيش فى ساحات السجال السياسى المثقلة بالشائعات والافتراءات والضغائن، التى تغذيها الحملات الإليكترونية الموجهة على وسائل التواصل الاجتماعى، بغرض مقصود لا يرمى فقط إلى تحميله مسئولية الأزمة الاقتصادية الراهنة، بل يشكك أيضا فى دوره الوطنى والبنائى، ليدمر الثقة التى بنيت عبر التاريخ بين المصريين والجيش، الذى يشكل أحد أهم المكونات الأساسية لبناء الدولة المصرية الحديثة، وأحد صناع ثوراتها منذ عرابى وحتى عبد الناصر، والداعم الرئيسى لثوراتها الشعبية منذ ثورة 1919 وحتى ثورة 30 يونيو. 

تلك تحديات خطيرة تتطلب حلولا سريعة وخلاقة من القوى السياسية ومؤسسات صنع القرار  لمواجهتها، ولحماية منجزات ثورة يونيه من المتوثبين لتفريغها من محتواها الحضارى والتقافى والوطنى.