رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

نقل مقابر القاهرة تطوير أم هدم؟

بوابة الوفد الإلكترونية

أثار قرار الرئيس عبدالفتاح السيسى بتشكيل لجنة لتقييم الموقف بشأن نقل المقابر بمنطقة السيدة نفيسة والإمام الشافعي الكثير من الجدل فى الأوساط المجتمعية والثقافية، ما بين مؤيد ومعارض، خاصة أن القرار تضمن إقامة مقبرة الخالدين وهو ما أثار مزيدا من الجدل حول المعايير والتى بناء عليها سيتم اختيار رفاة الشخصيات التى ستنقل إليها. 

وكان الرئيس السيسى قد وجه بتشكيل لجنة برئاسة رئيس مجلس الوزراء، تضم جميع الجهات المعنية والأثريين المختصين والمكاتب الاستشارية الهندسية، لتقييم الموقف بشأن نقل المقابر بمنطقة السيدة نفيسة والإمام الشافعي، وتحديد كيفية التعامل مع حالات الضرورة التى أفضت إلى مخطط التطوير، على أن تقوم اللجنة بدراسة البدائل المتاحة والتوصل لرؤية متكاملة وتوصيات يتم الإعلان عنها للرأى العام قبل الأول من يوليو 2023.

يأتى ذلك بعد استياء وغضب الكثيرين من مشاهد إزالة المقابر التاريخية فى منطقتى السيدة نفيسة والإمام الشافعي، بعدما أعلنت محافظة القاهرة عن نقل 2760 مقبرة تلتقى مع مسار كوبرى السيدة عائشة الجديد المقرر إنشاؤه، والذى يبدأ من طريق صلاح سالم بالقرب من مسجد المسيح وينتهى عند نادى الأبطال بالقرب من بحيرة عين الصيرة ومحور الحضارات، للربط بين ميدان السيدة عائشة ومحور الحضارات.

ومن المقرر أن يتم إنشاء كوبرى بديل لكوبرى السيدة عائشة وهدم القديم، بعد إزالة 47 عقاراً بميدان السيدة عائشة ونقل الأسر للأسمرات، وذلك لكثرة الحوادث وتسببه فى أزمات مرورية دائمة.

لم تكن هذه هى المرة الأولى التى يتم فيها إزالة مقابر تاريخية، فقد تمت إزالة مقابر لشخصيات تاريخية ومسؤولين مصريين قبل ذلك مثل أحمد يكن باشا وزير خارجية مصر الأسبق، ومقبرة يوسف صديق عضو مجلس قيادة ثورة 1952، وجانب من مقبرة أمير الشعراء أحمد شوقى، والفنان فؤاد المهندس، والأديب إحسان عبدالقدوس، إلى جانب مئات المقابر لمواطنين وأجانب فى نطاق القرافة العظمى بالقاهرة بمدافن الإمام الشافعى والسيدة نفيسة وصحراء المماليك.

وقد اختلف الخبراء والمتخصصون حول هذا القرار فمنهم من رأى أن قرار تشكيل اللجنة صائب وإيجابى وسيخرج عنها نتائج مهمة سوف تعلن على الرأى العام بكل شفافية، فيما رأى آخرون أن القرار يعتبر شرعنة لإزالة الجبانات التاريخية كما أن نبش القبور وتدنيسها إهانة للمتوفى يعاقب عليها القانون. 

من جهته، قال الدكتور جمال مصطفى، نائب الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار لشئون الآثار الإسلامية، إن مسألة المقابر لها شقان الأول يخص المحاور المرورية والثانى يخص الآثار والتراث. 

وأضاف أنه فيما يخص المحاور المرورية فإن كل مؤسسات الدولة تعمل عليها مع الهيئة الهندسية للقوات المسلحة منذ عام 2020، وكانت هناك لجنة كبيرة تضم معظم الوزارات ومجموعة من المتخصصين فى التراث والآثار لتحديد مسارات المحاور المرورية، وبدأ تنفيذ أغلبها باستثناء الجزء الأخير الذى أثار لغطا كبيرا فى المجتمع وهو كوبرى السيدة عائشة. 

وأوضح نائب الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار لشئون الآثار الإسلامية، أن مشكلة هذا الكوبرى خطيرة جدا والحوادث المرورية عليه كبيرة آخرها سقوط أتوبيس أدى إلى إغلاق القاهرة بالكامل، ولذلك تمت دراسة أكثر من اقتراح بخصوص هذا المحور إلى أن تم التوافق على شكل الكوبرى فى التطوير الحالى والذى سيكون مجاورًا لمسار آل البيت. 

وأكد أن قرار تشكيل اللجنة قرار كاشف ودقيق جدا ولاقى قبولًا عند كل الجهات والمجلس الأعلى للآثار جزء من هذه اللجنة وسنشارك فيها، ووفقا لتوجيهات الرئيس سيكون تقريرها جاهزًا للعرض عليه أول يوليو، وبالتالى العمل فيها سيكون على قدم وساق من كل الجهات. 

ولفت إلى أن المقترحات الخاصة بالمجلس الأعلى للآثار فى هذا الشأن موجودة والاستشاريين المتخصصين سيشاركون أيضا فى المقترحات وسيتم عرض وجهة نظرهم بخصوص المحور نفسه وأولوياته، وما سيتعارض معه سنحدد كيف سنتعامل معه، ولو أن هناك بديلًا سوف نقدمه ونعرضه على الرأى العام. 

وأكد مصطفى، أن هذه الخطوة إيجابية ونتائجها ستكون مهمة ومعظم الجهات والأطراف راضية عنها، والحل سيكون جذريا لأن النتائج ستعرض على الرئيس نفسه، مشيرا إلى أن كل المقابر التى دخلت فى نطاق المشروع تم إخطار أصحابها بالإزالة، أما الأماكن التراثية تم حل مشكلتها بإقامة مقبرة الخالدين ونقل الرفات إليها، مضيفا، «كل الحلول والبدائل سيتم طرحها على الرأى العام بعد الانتهاء منها بكل شفافية». 

إلغاء النقل

فيما أكدت الدكتورة جليلة القاضى، المعمارية المتخصصة فى حفظ وإعادة إحياء التراث المعمارى والحضارى، إن تشكيل اللجنة يعتبر شرعنة لإزالة الجبانات التاريخية، لكننا سنستمر فى حملات الضغط لإلغاء نقل المقابر.  

 

وأوضحت القاضى، أننا مع فكرة مقبرة الخالدين على أن تضم رفات أو مشاهد من فُقدت رفاتهم أو مواقع دفنهم، مثل الصحابة الأوائل ومنهم عمرو بن العاص، أو من أزيلت مقابرهم أمثال المقريزى وابن خلدون فى باب النصر وأيضا من أزيلت مقابرهم فى السنوات الأخيرة أمثال الدكتور نور الدين طراف والكاتب محمد التابعى والأديب زكى المهندس وآخرين، بينما من لا تزال مقابرهم قائمة، فلنتركها فى أماكنها الحالية التى تعتبر مقبرة الخالدين الحقيقية .

وأشارت المعمارية المتخصصة فى حفظ وإعادة إحياء التراث المعمارى والحضرى، إلى أن نبش القبور وتدنيسها يعد إهانة للمتوفى تعاقب عليها كل الدول، وفى فرنسا مثلا يعاقب من يدنس قبرا بوضع علامة عليه مثلا  بغرامة قدرها 15 ألف يورو والسجن لمدة سنة، وتتدرج العقوبة بعد ذلك طبقا لدرجة الاعتداء، وفى مصر بداية من الدولة القديمة كانت مقابر الملوك والأعيان عرضة للنبش من أجل الاستيلاء على الثروات المدفونة فيها، ولذلك وجدنا برديات من الدولة الوسطى تحدثنا عن عقاب نابشى القبور، وتتدرج من قطع الأنف والأذن حتى تصل إلى الإعدام.

وتابعت: «كانت القبور تتعرض للنبش والنهب عادة فى عصور الاضمحلال وأفول قوة الدولة وسطوتها وتفشى الفساد، وفى العصر الحديث شاعت هذه الأفعال من قبل الرحالة وعلماء الآثار، بحيث أصبح نبش قبور القدماء وسيلة لإثراء الأفراد والدول التى امتلأت متاحفها بكنوز المصريين القدماء، وارتبطت أسطورة لعنة الفراعنة بتلك الحقبة والتى كانت تحط على العالم أو اللص فيلقى حتفه أو يصاب بمرض عضال». 

وأشارت القاضي، إلى أنه إذا كان قيام علماء الآثار بالبحث عن قبر القدماء علما، فإن نبش وتدنيس مقابر العامة تدينه كل القوانين والأديان والأعراف قديما وحديثا، وفى مصر يقال إكرام الميت دفنه، وليس إهانته ونبش قبره وإخراج جثته.

وتابعت: «المثير للدهشة أن هذا يحدث فى مصر فى العصر الحديث بدون أن يثير حفيظة أى أحد، وأصبح نبش القبور ونقل رفات الموتى قاعدة وليس استثناء، وأصبح الموتى الذين رقدوا بسلام لمدة 14 قرنًا فى جبانات القاهرة التاريخية معرضين فى مراقدهم الأخيرة للعدوان والتنكيل والتحقير والتهجير القسري، بل صارت هذه الجبانات التى تحتل موقعا اكتسب قيمته بمن دفن فيه أرضا مستباحة، تدنس وتنبش قبورها فى كل عصر، تخترقها الطرق وتقطع أوصالها بشراسة منقطعة النظير وتقف على حدودها الجرافات على أهبة الاستعداد فى كل الأوقات للانقضاض عليها وإشاعة الذعر عند الأموات والحسرة والقهر عند أسرهم». 

وأكدت القاضى، أن اللجنة التى تم تشكيلها ستكون عبارة عن شرعنة لإزالة الجبانات، لأن تخليد ذكرى أعلامنا ورموزنا يكون بالحفاظ عليهم فى أماكنهم، وهذا هو مزار الخالدين الحقيقى وأى بديل سيصبح مسخا مثيرا للشفقة والعار.

قرار حكيم

بينما قال الدكتور جمال عبدالرحيم أستاذ الآثار الإسلامية بجامعة القاهرة، إن تشكيل اللجنة قرار حكيم وصائب، ومنذ صدوره والأمور أصبحت هادئة تماما والمختصين وكل شخص غيور على آثار بلده ابتهج بعدما علم بهذا القرار واعتبره تلبية لرغبة الجميع. 

 

وأضاف عبدالرحيم، أن رئيس الوزراء سيشكل لجنة من جميع المتخصصين سواء فى التاريخ أو الآثار لدراسة الموقف وإيجاد حل لمشكلة المقابر سواء فى الإمام الشافعى أو السيدة نفيسة. 

وتابع: «للأسف على السوشيال ميديا يشاع أن كثير من الآثار الموجودة بالمنطقة سواء كانت مقابر أو أضرحة أو مشاهد ومقابر أثرية تم هدمها وهذا كلام غير صحيح، وما يحدث على أرض الواقع هو أن هذه المنطقة كان من المفترض أن تهتم بها الدولة منذ 30 عامًا ولكن للأسف لم يكن هناك اهتمام، وعندما حدث فى السنوات الأخيرة بدأت الأصوات تتعالى ضد التطوير، ولكن مشكلة هذه المنطقة أن هناك خطورة على الآثار الموجودة بها بسبب المياه الجوفية وتحرك التربة مثلما حدث فى مئذنة المسيح باشا ومأذنة قوصون بعد تحرك التربة تحتهما. 

وأشار عبدالرحيم، إلى أنه من المعروف أن التربة تتحرك ولذلك فإن المهندسين الإنشائيين قالوا إن هذا الوضع صعب ولابد من التعامل مع هذه الآثار بطريقة علمية مدروسة، وبالفعل تم تفكيك أحجار هذه المآذن بعد ترقيمها ثم إعادة تركيبها مرة أخرى بأسلوب علمى هندسى فى أماكنها، وبالتالى لا توجد إزالة للأثار. 

وأوضح أن المقابر التاريخية سيتم حصرها وتقييم الموقف الخاص بها وستعلن اللجنة رأيها وتوصياتها بكل شفافية، وإذا كان هناك حاجة لنقل بعض المقابر سيتم نقلها، وإذا كان هناك ضرورة لبقائها باعتبارها تراثًا عمرانيًا سيتم الإبقاء عليها، حيث سيتم الاهتمام بها وترميمها. 

وأكد عبدالرحيم، أنه لا يوجد هدم للمقابر الأثرية والتراثية، وما سيتبقى منها سيتم إحاطته بأسوار وتصبح مزارات سياحية، أما بعض المقابر المبنية بطريقة عشوائية وغير تاريخية فمن الممكن هدمها إذا كانت فى مسار التطوير، مدللا على ذلك بشارع صلاح سالم الذى كان يحتوى على مقابر عديدة تم هدمها من أجل إنشاء الطريق، مع تعويض أصحابها بمقابر فى مناطق أخرى مثل العاشر من رمضان وغيرها، قائلا، «البلد لا تهدم تراثها ولا يوجد تخوفات من التعامل مع المقابر». 

مقبرة الخالدين

وقال الأديب يوسف القعيد، عضو مجلس النواب، إن فكرة مقبرة الخالدين قرار مهم لكن المشكلة فى تنفيذه وإخراجه للوجود. 

وأضاف القعيد، أنه زار متاحف متعددة لشخصيات تاريخية وأدبية مهمة فى بريطانيا وروسيا، ووجد أن لهم عائدًا حقيقيًا فى السياحة بشكل عام والسياحة الثقافية بشكل خاص، ونحن لدينا رموز لا تقل عنهم إن لم تكن أفضل، ولكنها متناثرة فى أماكن الدفن، فنجيب محفوظ مثلا مدفون على طريق الفيوم، وطه حسين مدفون على طريق صلاح سالم وغيرهم كثيرين. 

وتابع، «كل ذلك يحتاج إلى نظرة شاملة تقوم على البحث والدراسة ومعاملة كل كاتب على حدة باعتباره حالة خاصة تختلف عن الآخرين .. يعنى أم كلثوم شيء يختلف عن عبدالوهاب عن نجيب محفوظ عن توفيق الحكيم وهكذا»، مشيرا إلى أن هؤلاء ثروة قومية حقيقية وثروة سياحية غير عادية يمكن أن تدر لمصر عائدًا غير عادي. 

وأوضح القعيد، أن قرار الرئيس السيسى بتشكيل اللجنة إيجابي، لأن مصر فى حاجة ماسة إلى الاستفادة من المقابر سياحيا وثقافيا وحضاريا، لأنه مشروع لا يقل أبدا عن الأهرامات بما تعنيه لمصر، لكن المهم هو آلية التنفيذ والمعايير التى سيتم بناء عليها اختيار الشخصيات، وهل سيتم دفن كل شخص فى محافظته أم فى مكان واحد ومتحف قومى كبير. 

ولفت إلى أن مصر مليئة بالشخصيات التى يجب تخليدها مثل أم كلثوم وعبدالوهاب وعبدالحليم حافظ وتوفيق الحكيم ولويس عوض وعائشة عبدالرحمن ومحمد عبدالحليم عبدالله وأمين يوسف غراب ويوسف السباعى وغيرهم، وقد قدمت لمصر خدمات جليلة وكانت صوت مصر الثقافى فى الوطن العربى والعالم كله، ويجب أن يكرموا فى آخرتهم كما كرموا فى حياتهم، وهذا الأمر له مردود اقتصادى بجانب المردود الحضارى الذى لا يقدر بثمن. 

واقترح القعيد آليتين لتنفيذ مقابر الخالدين، الأولى أن يقام لكل كاتب من العمالقة الكبار متحف خاص به، والثانية هو إقامة متحف كبير يضم هؤلاء جميعا.