عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

«أين الحقيقة فى مشكلة السجائر المصرية؟» من المؤكد عزيزى القارئ أنك ظننت أن هذه الكلمات السابقة تصف ما يجرى الآن تعليقاً على أزمة ارتفاع أسعار السجائر الحالية، والحقيقة أن الأمر غير ذلك، ولنبدأ الإجابة عن السؤال السابق، بداية من سوق «الدخاخنية» وصولاً إلى مافيا الدخان!

الرحالة التركى «أوليا جلبى» أثناء رحلته إلى القاهرة فى سبعينيات القرن السادس عشر وصف سوق «الدخاخنية» بالقاهرة وقال «يوجد بها ألف وستون حانوتاً لبيع التبغ (الدخان)، عدا ستمائة وأربعين مقهى، فى كل مقهى بائع للدخان، كما هو مقيد فى سجل الصوباشى- الذى هو مدير أمن المدينةـ ويبلغ مجموع من يعمل فى هذه الحرفة من البائعين والدلالين ما يقرب من ألف نفس».

وتمر الأيام وليس هناك أسرع منها، ليتحول سوق «الدخاخنية» إلى صناعة مؤثرة، وتبدأ معها الأزمات فى الظهور، لتنشر جريدة «الأهرام»، منذ ما يزيد على نصف قرن بثلاث سنوات، وتحديداً فى 24 نوفمبر 1976، موضوعاً بعنوان «أين الحقيقة فى مشكلة السجائر المصرية؟.. أسواق سوداء فى مناطق معروفة بالقاهرة تقوم بتهريب السجائر إلى الأقاليم»، وجاء فى الموضوع أنه فى منطقة «الكحكيين» توجد كميات كبيرة من السجائر تتسرب من المتعهدين وتجار الجملة إلى بعض المناطق لتباع بأسعار مرتفعة بعيداً عن رقابة وزارة التموين!!

وأريد هنا التركيز على رقابة وزارة التموين فى ذلك الوقت، لأن رئيس «الشرقية للدخان» وقتها المهندس أحمد خيرى قال إن لديه معلومات بأن منطقة «الكحكيين» و«الصنادقية» بها سوق سوداء، ووزارة التموين المفروض عليها أن تبحث هذه المشكلة.

لا يختلف وصف المشكلة القديم عن وصفها الحالى، ولن يبعد كثيراً عن حديث إبراهيم إمبابى، رئيس شعبة الدخان، الذى أرجع أسباب أزمة الارتفاع الجنونى لأسعار السجائر الآن إلى تجار كبار يقومون بإخفاء السجائر، ثم يلقى «إمبابى» المسئولية على وزارة المالية، ويقول إن تباطؤ اتخاذ القرار والتحقيق الضريبى من وزارة المالية هو ما أحدث البلبلة الحالية!

وبين وزارة التموين ووزارة المالية تقول جريدة «الوفد»، 21 يونيه 1984، إن شركات السجائر قررت طرح كميات إضافية وتشغيل المصانع بالطاقة القصوى لتوفير السجائر لمواجهة زيادة الاستهلاك خلال أيام العيد، وهنا يجب أن نشكر هذه الشركات لاهتمامها بمزاج الأجداد، وطرح هذه الكميات الإضافية فى الأعياد!!

وتمر الأيام سريعاً وتحقق مصانع السجائر خسائر فى عام 1983، وأرجع مصدر مسئول بوزارة الصناعة وقتها السبب الحقيقى فى تلك الخسائر إلى التسعيرة المحددة، وبدأ الرجل فى تفنيد هذه الخسائر، وقال إن العلبة ثمنها 35 قرشاً تحصل الشركة المنتجة منها 7 قروش فقط، فى حين تحصل الدولة على 26,5 قرش ضرائب استهلاك وجمارك، ويحصل البائع على 1,5 قرش فقط، وتتحمل الشركة المنتجة خسارة 7 قروش عن كل علبة تنتجها، وعلى الرغم من تلك الخسائر، زادت مصانع السجائر إنتاجها لمواجهة أزمة زيادة الطلب، لكن زيادة الإنتاج أدت إلى زيادة الخسائر.. ونود التنويه هنا أيضاً بأن هذه المرحلة كانت تحافظ على مزاج المواطن رغم الخسائر!

وتمر الأيام سريعاً، لنرى الآن فى سوق «الدخاخنية» أغرب المشاهد، فالمواطن أو بتعبير أدق «الزبون» يرى السعر الحقيقى مدوناً على علبة السجائر، ثم يكتشف أنه للفرجة فقط!، وأن التجار الذين طالب رئيس شعبة الدخان المستهلك بعدم الخضوع للجشع الذى يمارسونه ليسوا سوى الحلقة الأضعف فى سلسلة الجشع، وأن هناك مافيا خفية تتلاعب بسوق «الدخاخنية»، وتتحكم فيه وترفع الأسعار دون محاسبة من أحد!!

ويؤكد هذا الكلام رئيس شعبة الدخان نفسه عندما أكد أن الإنتاج يسير بوتيرة منتظمة، وما يثبت أن هناك مافيا تحقق المليارات من التلاعب فى هذه السلعة هو أن «شركة الشرقية- إيسترن كومبانى» حققت أرباحاً بلغت 3,48 مليار جنيه خلال الفترة من يوليو حتى ديسمبر 2022، فما بالك بأرباح تلك المافيا من زيادة الأسعار بشكل غير رسمى، غير خاضعين لضرائب أو جمارك.. والسؤال: لماذا تترك الدولة هذه المافيا دون حساب، وتترك معهم تلك المكاسب غير المشروعة؟!

الأدهى والأَمَر فى سوق «الدخاخنية» أن هناك أصنافاً من السجائر منتشرة وتباع فى كل مكان، وعندما تسأل عن مصدرها يقولون إنها مهربة.. وكله «على عينك يا تاجر»!

الخلاصة، إن الحديث عن أسعار السجائر ليس من الرفاهيات كما يتم تصنيف هذه السلعة، فأنت تتحدث عن صناعة يستهلكها أكثر من 18 مليون شخص، وسواء كنت من الذين يشربون الدخان أم لا، فسوف تتأثر حتماً بهذا التلاعب، وسوف تتيقن من ذلك عندما يخبرك أحدهم بأن أجره «مش مكمل علبة دخان»!.

[email protected]