رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

أوراق مسافرة

«عايزة أروح» قلتها والدموع تكاد تطفر من عينى وأنا أغالبها كبرياءً أمام الشاب الصغير سائق بالميكروباص والذى أوقف أمام سيارتى التى «ركنتها» بجانب الكوبرى المظلم ووقفت بجانبها وقد أنرت كل أضوائها، لمبات الانتظار، الشبورة، عسى أن ألفت نظر أى قائد سيارة لمساعدتى، حتى رأف بحالى هذا الشاب وتوقف.

كانت تعترينى مشاعر طفلة تائهة من والديها فى صحراء مظلمة مترامية الأطراف وبلا بشر، أو تم اختطافها وتركها فى نفس الصحراء المظلمة، وهو شعور بغيض عفاكم الله من معايشته، كان الظلام يحيط بالكوبرى، فلا لمبات مضيئة، ولا لوحات إرشادية تقودنى إلى أين المسير، الجوع والعطش يقرص معدتى وانا لا زلت صائمة، فالمغرب رفع أذانه منذ نصف ساعة، وتضاءلت حركة المارة والسيارات من الطرق، وأصبحت كل أمنيتى فى الحياة زجاجة ماء وتمرة، وان اصل لبيتى.

عايزة أروح، كررتها أمام الشاب فى شبه انهيار، وقد ادرك هو ما بى، وقال لى لا بلهجة أولاد البلد الجدعان: عايزه تروحى فين يا مدام؟، وعندما أخبرته بوجهتى، شهق وقال فى دهشة: وإيه جابك هنا؟، فأخبرته انى كنت أسأل من أصادفهم من البشر القليل، وقد أرشدنى بعضهم لهذا الطريق، هز رأسه وقال: ما تخافيش يا مدام امشى وراء عربيتى هاطلعك لأول كوبرى المنيب.

أربع ساعات ونصف وانا أقود سيارتى منذ انتهيت من قضاء بعض الأمور فى منطقة اللبينى بالهرم، قضيت هذه الساعات فى توهان ليس بعده توهة، ليس لأنى لا احفظ الطريق المختصر من هناك إلى 6 أكتوبر، فمؤكد أننا جميعاً لا نحفظ كل طرق القاهرة ولا كباريها الجديدة التى غيرت من معالمها تماماً، ولكن لأن الكبارى المحترمة التى تكلفت المليارات والتى تم بناءها فى تلك المناطق لا تسبقها لافتات كبيره واضحة تخبرك بالمداخل والاتجاهات والطرق التى ستؤدى إليها هذا الكبارى، لا توجد لافتات تم وضعها بمسافة كافية تسمح لقائدى السيارة باختيار طريقه وتحديد اتجاهاته قبل الوصول بمسافة كافية إلى مدخل الكوبرى.

فالعباقرة الذين وضعوا اللافتات، وضعوها على مداخل الكبارى غالباً، أى انك يجب أن تصل إلى مدخل أو مطلع الكوبرى وتكون أمامه بالضبط حتى تعرف بدقه إلى أين يؤدى هذا الكوبرى، حيث لا يسبق ذلك أى إشارة أو لافتة لاتجاهات الكبارى، وهو أمر خطير جداً، وعليك أن تكون متمتعاً بقوة أبصار حاد كحدة الصقر على غرار أصحاب القوى الخارقة فى أفلام الخيال العلمى، لتقرأ اللافتة على مسافة كيلو متر على الأقل أين يتجه هذا الكوبرى أو الأخر، وتتمكن من قراءة اللافتة المعلقة فوق مدخل الكوبرى تماماً، وإذا كان أمامك سيلاً من السيارات، لن تتمكن أبداً من قراءة اللافتة ولن تتنبه لها، والويل لك لما ستلقاه من توهان، يضاف إلى ذلك أننى أعانى شخصياً من فوبيا الكبارى المرتفعة الطويلة.

ومع تلك اللافتات «العبقرية» المكان والخط ومع عدم الإضاءة، ستجد نفسك تتجاوز الكوبرى الذى تقصد طريقه، لأنك اكتشف فى اللحظة الأخيرة اللافتة التوضيحية له على مدخله، ولن تتمكن بالطبع من الانحراف المفاجئ أو الرجوع للخلف، لتسلكه لأن وراءك سيارات أخرى ستصطدم بك وستكون أنت المخطئ، ولن يمنحك احدهم فرصة التردد والتروى وتهدئة السيارة لقراءة هذه اللافته العبقرية بدقة لتعرف إلى أين تتجه.

ولا يسألنى أحد، كيف وجدت نفسى من اللبينى فى الهرم على الطريق السياحى الجديد، ومن الطريق السياحى وجدتنى على كوبرى يقود إلى المنيب، ومن المنيب وجدتنى عند الفسطاط ومتحف الحضارات، بسبب تلك اللافتات العبقرية التى كنت اكتشفها على مداخل الكبارى نفسها، وقد كتبت بخط مزدحم وغير واضح، دون أن يسبقها أى لافتات أو إشارات أخرى على طول الطريق الطويل، مليارات أنُفقت على طرق وكبارى وبخلوا عليها بلافتات تتفق مع أمن وسلامة الطرق والمواطن وفقا للمثل الشعبى «أفسد الطبخة بسبب تعريفة ملح». . وللحديث بقية.

[email protected]