رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

جمعت قصة اللاعب أحمد بغدودة المتناقضات فى سلة واحدة، فترى الاتهامات بالخيانة ونداءات العودة والرجوع إلى أرض الوطن، تقف جنبًا إلى جنب بنفس القوة ونفس الحماسة، تجد أصوات الدفاع ومبررات الإدانة على درجة واحدة من الإقناع، ترى فيها الحسرة ظاهرة فى حديث من أحرز ميدالية ذهبية وكان التهميش رفيقًا له، بينما ينتفض الإعلام ويتسابق البعض لالتقاط الصور مع والد «بغدودة» الذى فرَّ نجله هارباً، مع إضافة بعض اللمسات على غرار «اضحك الصور تطلع حلوة.. واللى جاى أحلى وكله هايتصلح»!! 

قصة اللاعب أحمد بغدودة الذى غادر بعثة المنتخب فى تونس إلى فرنسا سراً، متخذاً قرار «الرحيل هو الحل»، بعد أن حقق ميدالية فضية لمنتخب مصر، دون أن يعبأ أو يشغل باله بالاتهامات التى ستلاحقه نتيجة هذا الهروب، هى نتيجة طبيعية لحادث تصادم يحدث يوميًّا بين الواقع والأحلام، هذا التصادم الذى يفسر التشابه الكبير بين ما فعله «بغدودة» وما فعله عدد من أقرانه قبل ذلك عقب مشاركتهم فى بطولات دولية، ويفسر أيضًا دوافع فئات أخرى من المجتمع قامت بالرحيل بطريقة شرعية أو بأساليب غير شرعية.

هذا التصادم وهذه الرحلات المتنوعة رغم اختلاف البدايات إلى اتخاذ قرار الرحيل، يمكن توصيفها ووضعها تحت مسمى «نظرية بغدودة» والهروب إلى الحياة، وإليك مراحل الرحلة والنظرية:

ـ  الصبر ثم الصبر ثم الصبر، هو المبدأ الأول والخطوة الأولى فى «نظرية بغدودة»، فى هذه المرحلة يتحمل الفرد صعوبات وأزمات البدايات، قليل من الفرح كثير من الإحباط، فى هذه الخطوة يدرك الفرد عن طريق من حوله إدراكًا تامًّا أنه رغم كفاءته ليس بالموهبة التى يجب أن يسعى أحد لاحتضانها أو رعايتها والاهتمام بها، «وأنت مش هتجيب الديب من ديله»!!، فمصر مليئة بالمواهب، فى هذه المرحلة يكون التأكيد دائماً على مفتاح الصبر ثم الصبر ثم الصبر مع قليل من «النفخ» فى الهواء، حتى يمكن الانتقال إلى المرحلة التالية.

ـ  المرحلة الثانية: هى مرحلة تقديم المستندات والأدلة الكافية لإثبات الكفاءة والموهبة، فى هذه المرحلة تبدأ بوادر التزامات حياتية فى الظهور، وتظهر معها الفجوة بين العائد المادى وبين تلك المتطلبات، المؤسف فى تلك المرحلة هو الخوف من التعبير عن هذه الاحتياجات، لأن المسئول فى هذه المرحلة إذا تسلل إليه شعور بما يدور فى نفسك، أو أخبرته حاسته السادسة برغبتك فى تحسين وضعك المادى ليواكب فقط تلك الاحتياجات، سيقوم عقله الباطن ووعيه العبقرى المستتر خلف خبراته السابقة بتأويل تلك الرغبة، ووضعك فى خانة الطمّاعين وناكرى الجميل!!

 هذا الخوف يدفعك دفعًا إلى مبادئ المرحلة الأولى وهى الصبر ثم الصبر ثم الصبر، حتى يمكن تحقيق إنجاز مختلف متفرد يشهد له الجميع، إذا حدث ذلك فستجد نفسك فى المرحلة قبل الأخيرة.. والإجابة عن السؤال الصعب: وماذا بعد؟

ـ  المرحلة قبل الأخيرة من الهروب: هى الإجابة عن السؤال.. وماذا بعد؟! هى مرحلة التصادم بين الواقع والأحلام، مرحلة التصادم بين الاحتفاء بالإنجازات وإحراز الميداليات، وبين المكاسب المادية، صراع ترى فيه بعين اليقين أن تلك الاحتفاءات وهذه الشهادات وتلك الميداليات وحدها لا تكفى، وأن الفجوة بين الواقع والأحلام تتسع يومًا بعد الآخر، لتنتقل حتمًا بعد تلك الفجوة وهذا الإدراك إلى المرحلة الأخيرة وهى التخطيط  لعملية الهروب، فى انتظار اللحظة المناسبة والفرصة المواتية للرحيل بحثًا عن حياة أفضل، ضاربًا عرض الحائط بنتائج ومخاطر هذا الهروب ومسمياته!!

«نظرية بغدودة» يمكن تطبيقها على كثير من حالات الرحيل بين فئات المجتمع باختلاف طبقاته ومستوياته، واختلاف المسميات والاتهامات أيضًا، القواسم المشتركة للرحيل بين هذه الفئات أكبر بكثير من تلك المسميات، فتدنى الرواتب وارتفاع تكاليف الحياة على سبيل المثال كان أحد أهم الأسباب التى دفعت  نحو 11 ألفًا و536 طبيبًا لاتخاذ قرار الرحيل والهجرة والبحث عن حياة أفضل!!

 نفس الظروف التى دفعت اللاعب «بغدودة» إلى التخطيط ثم اتخاذ قرار بالرحيل، هى ذات الأسباب التى دفعت من سبقوه فى نفس اللعبة أو غيرها للمصير المشترك، وهى أيضًا نفس الأسباب التى دفعت الكثير والكثير لركوب الأمواج ومخالفة القوانين واتخاذ قرار بالهجرة غير الشرعية، للبحث عن فرصة لتحسين أوضاع اجتماعية واقتصادية، فى رحلة الموت فيها أقرب من الحياة!!

 يا سادة عندما يكون الرحيل هو الخيار الأمثل لتحقيق الحد الأدنى من الأحلام، ويكون الهروب إلى الحياة هو الدافع الحقيقى للهجرة بشقيها الشرعى وغير الشرعى، سنكون دائمًا فى انتظار مشاهد أخرى وفصول متنوعة من قصص وحكايات نسيجها الدرامى يعود إلى «نظرية بغدودة».

[email protected]