رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

على فكرة

المقابر التى يتم هدمها فى الإمام الشافعى والسيدة نفيسة والسيدة عائشة، وغيرها من مقابر باب الوزير وباب النصر والمجاورين ليست أحجارا صماء، لكنها جزء صميم وحميم من تاريخ القاهرة القديمة المملوكية والفاطمية والعثمانية وما تلا ذلك من عصور. تاريخ ينطوى على فنون عمرانية وزخرفية وإبداع فريد لفن الخط العربى، جبانات تعلو جدرانها نقوش مذهبة وملونة، وزخارف متألقة تجاور خيال خصب لفن الحفر العربى، شيد بعضها من الرخام والمرمر، وضمت رفاتًا لسلاطين ووأمراء وعلماء واولياء الله الصالحين، ومفكرين وكتاب وساسة من مختلف العصور، ومواطنين عاديين. ويكاد هذا التاريخ من فرط ثرائه، أن ينطق بذكريات من صفحات النضال الشعبى المصرى لمقاومة الاستبداد المحلى والمحتل الأجنبى، حيث كانت تلك الجبانات، تستخدم فى كثير من الأحيان كمخبأ لاختفاء مناضلين تتعقبهم سلطات الاحتلال وإخفاء أسلحة تستخدم فى مقاوتها، كما تجلى ذلك فى قصة يوسف إدريس البديعة «لا وقت للحب»، وفى بعض أوقات رخاوة سلطة الدولة، كانت الجبانات تتخذ مأوى للخارجين على القانون.

ذلك تاريخ يحفل بمودات ونشوات وأحزان لأسر وأهل يتوراثون رعاية رفات ذويهم، ويأتنسون برفقتهم فى المناسبات والأعياد وفى أوقات الحنين الموجعة، ثم تزويد رفقتهم براحلين جدد من موتاهم وأحبتهم. ولعل معاول الهدم التى تطول تلك الجبانات، أن تتذكر قبل البدء فى الإزالة، أن للموتى قدسيتهم لدى المصريين منذ برع أجدادهم الفراعنة فى استخدام مهارتهم العلمية والطبية لتحنيط أجساد موتاهم، آملا فى البعث فى الحياة الآخرة، وتمسكا بعقيدة الأبدية والخلود.

فى عام 1979 أدرجت منظمة اليونسكو الأممية، جبانات القاهرة التاريخية فى قائمة التراث العالمى، وحين طالتها يد الإهمال وسادت العشوائية محيطاتها، وامتدت إليها خطط متعجلة للبدء فى الإزالة والهدم، باتت تصنفها «بالتراث المعرض للخطر».و معظم الكتب الهامة التى أرخت لتاريخ القاهرة القديمة، سواء منها المصرية أو الأجنبية، كانت الجبانات جزءا من من فصولها الأثيرة، باعتبارها تشكل ذاكرة تاريخية للعاصمة، وتعد رمزا لطابعها المعمارى والفنى والثقافى الذى لا تختزنه فقط ذاكرة سكانها، بل يتربع فى روحهم وأفئدتهم، والمقابر التراثية تعد فى معظم بلاد العالم من المزارت السياحية، وسمة تميز المدن عن غيرها من مدن العالم الأخرى. 

القائمون على عمليات الهدم والإزالة، يقولون إنهم يقومون بعملهم لأجل التطوير العمرانى للمنطقة وشق الطرق وإقامة المحاور والكبارى وإزالة العشوائيات، وأنهم لا يهدمون مقابر أثرية. وعدد من المعماريين والأثريين يرون أن من بين ما تم هدمه مقابر أثرية، وأن هناك بدائل أخرى ممكنة غير الهدم والإزالة، كان يمكن اللجوء إليها لم تؤخذ مأخذ الجد، بينها شق أنقاق تحت المنطقة بدلا من من اختيار هدم مقابرها التراثية.

سألت صديقا ممن يعملون فى جهاز التنسيق الحضارى عن موقف الجهاز من تلك المشكلة، فأكد لى أن أحدا لم يستشر الجهاز، برغم أنه المؤسسة المعنية مباشرة برعاية المبانى التراثية وتجديدها للحفاظ عليها. وهنا نأتى لمشكلة أخرى تتعلق بافتقاد التنسيق والتعاون بين مؤسسات الدولة، وعمل كل منها فى جزيرة منعزلة بعيدا عن الأخرى.

والسؤال الآن: ما المعايير التى تم وضعها لتحديد ما هو الأثرى وغير الأثرى؟ ولماذا يتم تجاهل البدائل المطروحة لخططكم للتطوير العمرانى لتلك الجبانات؟ وبأى حق يعلو العمران على المشاعر الإنسانية للبشر؟!