عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حكاية وطن

تقول روايات التاريخ، إن محمد سعيد باشا، والى مصر من سلالة الأسرة العلوية من يوليو 1854 إلى يناير 1863، تحت حكم الدولة العثمانية، كان فى أحواله العادية رجلاً طيب المعشر، متساهلاً، وإن كان يتعرض أحياناً لنوبات من العنف والغضب الشديد التى تستحيل تهدئتها، كان يكره الرزالة، سواء صدرت من أحد أقربائه أو من بعض القناصل، أو من الباب العالى، أو من قناصى الفرص الباحثين عن الامتيازات، ولكنه كان أيضاً على استعداد دائماً لإنفاق المال كوسيلة للخروج من مأزق.. لم يكن لديه لا الصبر ولا القدرة على أن يعكف على تفاصيل الإدارة والحكم.. كما أنه أزال كل الحواجز بينه وبين أفواج الأوروبيين المتدفقين على بابه، من قناصى الفرص والامتيازات والطفيليين الذين سرعان ما اكتظ بهم قصره.. لم يكن سعيد يفتقر إلى الذكاء، فقد كان فى معظم المواقف واعياً لأغراض هؤلاء الذين أحاطوا به والتفوا حوله، ولكنه كان أكثر جبناً من أن يحاول التصدى لضغوط القناصل عليه، وأشد كسلاً وتقاعساً من أن يرفض طلباتهم التى لا تستند إلى أى أساس معقول، كما كان له من طيب المعشر ومن التساهل ما يمنعه من إعفاء هؤلاء الذين تخصصوا فى التودد إليه.. وروى أحد المؤرخين عن سعيد أنه كثيراً ما كان يوقع على ما يقدم إليه من وثائق دون أن يقرأه، بما فى ذلك اتفاقية قناة السويس، التى قدمها ديليسبس، بل وحتى دون أن يستشير مستشاريه القانونيين أو الماليين، مرتكزاً إلى أن ديليسبس صديقه ولا يمكن أن يخدعه.

لم يمض وقت طويل على اعتلاء سعيد عرش مصر، حتى بدأ يتورط فى الديون، فبعد أقل من ثلاث سنوات من بداية حكمه بدأ يتأخر عن دفع مرتبات موظفيه وعن دفع الجزية للسلطان، لجأ سعيد فى البداية إلى الاقتراض من بعض البنوك الأوروبية التى كانت قد أنشئت حديثاً فى الإسكندرية، ثم استجاب لنصيحة ديليسبس بأن يصدر أذونات على الخزانة، تتراوح سعر فائدتها بين 15٪ و18٪، بينما كان السعر السائد على القروض التجارية لا يزيد على 7٪، كان سعيد أحياناً يستخدم هذه الأذونات فى دفع مرتبات الموظفين، ومن ثم كان يحدث أن يتجمع على أبواب وزارة المالية دائنو الموظفين من الخبازين والجزارين ومن إليهم، ليطالبوا بقيمة الأذونات التى فى أيديهم، وإذا لم تكفه القروض المحلية وأذونات الخزانة لجأ سعيد فى 1860 لعقد أول قرض خارجى مع أحد المصارف الفرنسية، ولكنه كان قرضاً باسمه لا باسم الحكومة المصرية، قيمته الرسمية 1٫2 مليون جنيه استرلينى، وبسعر فائدة 6٪، ولكنه لم يستلم سعيد من قيمة القرض، بعد خصم العمولات والاتفاق والمصروفات، إلا أقل من ثلاثة أرباعه، وخصصت لضمانه حصيلة جمارك ميناء الإسكندرية، ومع هذا فلم يمض أكثر من عام حتى أصبحت خزانته خاوية من جديد، فلجأ فى 1862 إلى عقد أول قرض خارجى تعقده الدولة المصرية فى تاريخها الحديث، قدمه لها مصرف أوبنهايم الألمانى بمبلغ 2٫5 مليون جنيه إسترلينى، بسعر فائدة 11٪ ومضموناً بحصيلة ضريبة الأطيان على أرض الدلتا، من هذا القرض أيضاً لم يحصل سعيد، بعد خصم العمولات والمصاريف، إلا على 84٪ من القيمة الأسمية، وكان عليه أن يدفع لسداده عبر ثلاثين عاماً، بعد إضافة الفوائد والرسوم السنوية، 8٫2 مليون جنيه، أى نحو أربعة أمثال المبلغ الذى تسلمه بالفعل.

عندما توفى سعيد فى 1863، كانت مصر مدينة بنحو 8 ملايين جنيه استرلينى، مستحقة السداد عبر ثلاثين عاماً، بالإضافة إلى مليون آخر واجب الدفع عبر ثلاث سنوات وديون قصيرة الأجل تبلغ نحو 9 ملايين جنيه، كان إجمالى الدين المصرى إذن، عائماً وثابتاً (أى قصير الأجل وطويلة) نحو 18 مليون جنيه عند وفاة سعيد، أو ما يعادل نحو خمسة أمثال إيرادات الحكومة المصرية فى السنة السابقة على وفاته.