عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

نور

اليوم 16 مايو.. عندنا هو يوم مثل كل الأيام، ولكنه فى كتب التاريخ ليس يومًا عادياً، فهو طبقًا لأحداث الزمن، اليوم الذى تم خلاله فى عام 1916 توقيع اتفاقية سايكس بيكو التى تم بموجبها تقسيم البلدان العربية بين إنجلترا وفرنسا ليتغير التاريخ، وتتحول هذه المنطقة الملتهبة إلى هدف دائم للدول الكبرى التى تتصارع من أجل الحصول على خيراتها!

وقد سميت هذه الاتفاقية بهذا الاسم، اختصارًا لاسمين هما (المندوب السامى البريطانى لشئون الشرق الأدنى مارك سايكس، والمندوب السامى الفرنسى لشئون الشرق الأدنى جورج بيكو).

قام المندوبان الساميان للدولتين العظميين بالاتفاق على تقسيم المنطقة العربية، بحيث تحصل فرنسا على الجزء الأكبر من بلاد الشام وجزء كبير من جنوب الأناضول ومنطقة الموصل فى العراق، أما بريطانيا فتسيطر على جزء من بلاد الشام الجنوبى متجهة شرقا لتضم بغداد والبصرة وجميع المناطق الواقعة بين الخليج العربى والمنطقة الفرنسية. وتمت تسمية هذه المناطق بمسميات جديدة لأسماء دول بعد تقسيمها داخليًا عقب توزيعها بين الدولتين، وهو ما يمكن تسميته (تقسيم التقسيم)!!

ورغم مرور 107 أعوام على الاتفاقية، ورغم تراجع إنجلترا وفرنسا عن صدارة مجلس إدارة العالم، إلا التقسيم مازال يتواصل، بدون اتفاقيات رسمية وبدون سايكس بيكو!!

سوريا عانت من ويلات حرب أهلية مدمرة أدت إلى تحويلها إلى ميناء لاستقبال المرتزقة والمتطرفين ومدمرى البلدان المستقرة، وهذه الحرب التى هدأت أوزارها مازالت آثارها تمنع سوريا من العودة إلى ما كانت عليه فبل 2011.

العراق يشهد منذ سنوات صراعًا سنيًا شيعياً، تطور بعد غياب صدام حسين إلى صراع شيعي- شيعي!! بين القوى الشيعية المؤيدة لإيران، والأخرى الرافضة لها!! هذا الصراع بين المكونين الشيعيين يؤدى أحيانًا إلى انفلات أمنى وصدامات بين أنصار الفريقين، وهو ما يجعل الاستقرار مُهددًا دائماً، وفكرة الانقسام مُسيطرة على البلاد، فلم يعد سهلًا عودة العراق الذى كان دون قلق حوله!

اليمن الذى يبلغ عدد سكانه 30 مليون نسمة عاد للانقسام إلى شمال وجنوب، بعدما تم تجميعه فى يمن موحد، ولكنه الآن يدور فى رحى حرب طاحنة بين الحكومة والحوثيين، والمعركة الدائرة بين الطرفين، تزكيها أطراف دولية وإقليمية، وراح ضحيتها أكثر من 377 ألف شخص بشكل مباشر أو غير مباشر، ونزوح الآلاف فى أسوأ أزمة إنسانية فى العالم، حسب وصف الأمم المتحدة.

فى ليبيا تم تقسيم البلاد إلى نصفين بين الجيش الليبى، وبين حكومة الوفاق، وكادت ليبيا أن تتحول إلى ساحة حرب قاسية بين الجيش وبين قوات التطرف الدينى القادمة من بلدان أخرى، لولا حدوث تطورات أدت لتدخل مصر لحماية أمنها القومى، وتمكنت من منع هذا التحول وانتقاله إلى حدودها، ولكن بقيت التقسيم قائماً.

وأخيرًا فى السودان.. حدثت اشتباكات السودان مزعجة خلال شهر رمضان الماضى، وتحديدًا فى الخامس عشر من إبريل 2023 بين القوات المسلحة السودانية التى يقودها عبد الفتاح البرهان وبين قوات الدعم السريع تحتَ قيادة حميدتى. وهذا النزاع المُسلَح تسبب فى إثارة القلق من جديد حول تماسك السودان الذى شهد من قبل انفصالًا لجنوبه فى عام 2011، ليتحول السودان الذى انفصل عن مصر فى عام 1956، إلى دولتين، والغريب أن الدولتين المقسمتين يوجد بهما صراعات ثنائية بين طرفين من المتصارعين على السلطة ويتهدد كل دولة فيهما شبح الانقسام، بما يؤجج مشاعر الحزب لاحتمالية تقسيم الدولتين اللتين كانتا موحدتين إلى أربع دول!!

كل هذه التقسيمات (تقسيم التقسيم) تمت بدون سايكس بيكو.. فلم تعد الدول صاحبة المصالح الكبرى تقوم بتنفيذ المخططات من خلال اتفاقيات رسمية، ولكنها تؤجج الصراع بين أطراف متنازعة، ومن خلال التمويل والتشجيع تندلع الحروب الأهلية ليعقبها التدمير الذاتى، ومن بعدها التقسيم.

وتبقى مصر المحروسة بأهلها وجيشها متماسكة ومدركة مخاطر ما يُحاك لهذه المنطقة الملتهبة دائماً.. ولكنها -فى ذات الوقت- أصبحت محاطة بحدود مشتعلة بالصراع، فحدودها الشرقية مشتعلة منذ عام 1948، وحدودها الغربية اشتعلت فى عام 2011، ليأتى السودان مستكملًا المربع الذى ينقصه ضلع البحر المتوسط!! لتتحول حدود مصر البرية إلى حدود مشتعلة.

فِطنة الدولة المصرية.. ووعى الشعب المصرى هما مظلة الحماية من هذه الاضطرابات التى هزت استقرار المنطقة التى تقوم دولها بالنيابة عن (سايكس بيكو) بتحقيق بنود الاتفاقية بأيادٍ عربية خالصة!!