عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

دراسة مصرية أمريكية حديثة تثير الجدل:

دورية علمية تزعم ارتفاع معدلات الكادميوم والرصاص والزنك فى دلتا النيل

دالتا النيل
دالتا النيل

مؤيدون: مؤشر خطير يجب الانتباه إليه للحماية من مشكلات صحية كبيرة

 

أثارت دراسة علمية جديدة حول تلوث دلتا النيل بعناصر معدنية ثقيلة الكثير من الجدل. الدراسة نشرتها دورية «إيرثز فيوتشر» Earth’s Future، وانقسم الخبراء ما بين مؤيد ومعارض لنتائجها.

 

 إذ تخوف الكثيرون من التأثيرات السلبية على صحة ملايين المواطنين من سكان الدلتا، فضلا عن التلوث البيئى المترتب على زيادة نسبة هذه العناصر المعدنية وخطورتها على الزراعة وإنتاجية المحاصيل. 

 

الدراسة تمت بالتعاون بين فريق مصرى وآخر أمريكى ضم باحثين من كلية فيترباى كاليفورنيا وجامعة المنيا والمعهد القومى لعلوم البحار والمصائد بالقاهرة. وألقت الدراسة الضوء على آثار إعادة استخدام مياه الصرف غير المعالج ومدى التلوث الناجم عنه، إضافة إلى تحديد الآثار البيئية للسدود الجديدة على مجرى نهر النيل.

معارضون: تشييد محطات المعالجة والتنقية دليل على كذب نتائج الدراسة

قام الفريق بتحليل مستويات التلوث لـ 8 عناصر ثقيلة فى 20 عينة من قاع دلتا نهر النيل بفرعى دمياط ورشيد، وأظهرت النتائج زيادة تدريجية لتركيزات العناصر بالنسبة لمعظم المحطات فى فرع رشيد باتجاه الشمال، مع زيادة المسافة من نقطة الانقسام لنهر النيل عند قناطر الدلتا. ولاحظ العلماء زيادة باتجاه الشمال فى فرع دمياط لعناصر الزنك والمنجنيز والنحاس، بينما تظهر تركيزات النيكل والحديد والكادميوم والكروم والرصاص توزيعا عشوائيا من دون اتجاه واضح.

وأشارت التحاليل الفيزيائية والجيوكيميائية إلى تزايد مستويات التلوث فى الطمى المتراكم فى قاع نهر النيل، حيث أكدت وجود عناصر ثقيلة مثل الكادميوم والنيكل والكروم والنحاس والرصاص والزنك. واكدت الدراسة أن انتشار هذه الملوثات يرجع بشكل أساسى إلى إعادة استخدام مياه الصرف الزراعى والصناعى ومياه الصرف الصحى دون معالجة، فضلا عن أن الاستمرار فى بناء السدود العالية على النيل سيسبب تفاقما حتميا لهذا التلوث وبالتالى يتسبب بتهديد حقيقى لصحة المواطنين.

وتبرز الدراسة خطورة هذا التلوث وتآكل السواحل وتسرب مياه البحر الذى يتحدى استدامة دلتا النيل كمصدر أساسى لأمن مصر الغذائى وتداعياته على صحة أكثر من 50% من سكان مصر، لأن الدلتا تمثل منطقة مهمة جدا للاقتصاد المصرى والنظام البيئى فى جنوب المتوسط، وتعرضت للعديد من التغيرات البيئية نتيجة للأنشطة البشرية المختلفة، والتوسع السريع للنطاقات الحضرية على حساب مساحات الأراضى الزراعية والمجارى المائية، وبالتالى كان لا بد من عمل تحليل إقليمى لاستجابة الرواسب القاعية لنهر النيل فى الدلتا لتلك المستجدات.

دراسة فريدة

بالرغم من أهمية تقييم جودة تربة فرعى نهر النيل بالدلتا، ظلت الدراسات السابقة بعيدة عن التقييم الواسع لتركيزات العناصر الثقيلة دون استخدام منهجية بحثية متقدمة لفهم مصادر التلوث وعلاقة الملوثات ببعضها، وتأثيرات العمليات السطحية المختلفة بالدلتا على جودة التربة، لذلك فقد قام الفريق البحثى للدراسة بتغطية تلك النقاط المهمة.

وأبرزت نتائج الدراسة الفريدة من نوعها أثر عدم معالجة المياه المعاد تدويرها بشكل صحيح على النظام البيئى من زيادة تركيز هذه العناصر الثقيلة واندماجها فى الطمى المتراكم فى قاع النهر، ما يؤدى إلى تفاقم هذا التلوث مع مرور الوقت على عكس الملوثات العضوية التى تتحلل بشكل طبيعى.

كما قارنت الدراسة نتائجها مع العديد من الدراسات السابقة، سواء كانت دراسات على نطاق صغير أو إقليمى، وانتهت هذه المقارنات إلى أن مستوى التلوث فى الدلتا يزيد بشكل مطرد مع الوقت، نتيجة لزيادة الاعتماد على مياه الصرف الزراعى والصحى غير المعالجة ثلاثيا فى الرى.

وأشارت الدراسة إلى الآثار المباشرة قصيرة المدى لتلوث تربة قاع نهر النيل تتضمن: قلة إنتاجية المحاصيل الزراعية، خاصة الأرز، نتيجة لزيادة بعض العناصر الثقيلة مثل الكادميوم المترسب فى المياه والتربة، وعلى المدى الطويل فإن استمرار تراكم العناصر الثقيلة فى تربة النهر، قد يؤدى إلى الوصول إلى مستويات سامة لهذه العناصر خاصة الكادميوم والرصاص، ما قد يؤدى إلى تدهور البيئة المائية وينعكس على صحة النبات والسكان فى منطقة الدلتا.

قصور البنية الأساسية

المهندس حسام محرم مستشار وزير البيئة 

قال المهندس حسام محرم مستشار وزير البيئة سابقا، إن هذه الدراسة من الدراسات الهامة التى ترصد نوعية مكونات بيئة نهر النيل الذى يعتبر أهم مصدر للمياه ويقوم بدور حيوى فى البلاد.

وأضاف «محرم» أنه بافتراض دقة النتائج التى توصلت إليها الدراسة فإنها تمثل مؤشرا خطيرا على تراكم كميات من المعادن الثقيلة فى قاع النهر، ولذلك يجب تتبع مصادر ارتفاع نسبة هذه المعادن ومحاولة منعها، مشيرا إلى أن الصرف الزراعى والصناعى والصحى تسبب فى رفع نسب المعادن الثقيلة، وهو ما يدل على القصور فى منظومة البنية الأساسية فى مصر التى أدت إلى تراكم العديد من الملوثات سواء فى البيئة النهرية أو الأرضية. 

وأوضح مستشار وزير البيئة السابق، أن هذا الأمر يلفت انتباهنا إلى ضرورة سرعة استكمال مشروعات البنية الأساسية الخاصة بالمياه والصرف بأنواعه، وأن تمتد خدمات منظومة شبكة الصرف الصحى المتعلقة بها من محطات معالجة ورفع وخطوط نقل إلى كافة أنحاء الجمهورية، حتى لا تتسبب الكميات الهائلة من الصرف بأنواعه إلى تلويث البيئة. 

وتابع: «هناك جهود حالية فى مصر لتطوير منظومة البنية الأساسية وكذلك وقف الصرف على البحيرات الشمالية التى تمثل إحدى ثروات مصر، وهناك تقدم نسبى بالفعل حدث فى هذا الملف، ولكن نتمنى سرعة استكمال هذه البنية الأساسية».

وأشار «محرم» إلى أن العقبة فى هذا المجال هى مصادر التمويل، حيث إن هذه البنية تحتاج إلى تمويلات ضخمة جدا، والقصور فى هذا الملف فى سنوات ما قبل ثورة يناير 2011 أدى إلى تراكم الأعباء التمويلية فى هذا المجال، خاصة أن مصر لم تستغل بشكل كافٍ آليات التمويل باستخدام الشراكة بين القطاع العام والخاص فى تمويل البنية الأساسية، وكذلك الآليات التى تفسح المجال للقطاع الخاص بإنشاء مرافق البنية الأساسية وتشغيلها نظير أتعاب تحددها الدولة لفترة معينة، تسمح باسترداد التكاليف التى أنفقها القطاع الخاص، بالإضافة إلى هامش ربح معقول يتناسب مع حجم الإنفاق وعدد السنوات اللازمة للإنشاء والتشغيل.

وأكد أن هذه الآليات تخفف الأعباء على الدولة فى إنشاء هذه المرافق، وفى نفس الوقت تخفض المدة اللازمة لتغطية كافة أنحاء الجمهورية بكل المرافق المطلوبة التى تساهم فى خفض الآثار السلبية على البيئة بسبب القصور فى شبكات البنية الأساسية. 

ولفت مستشار وزير البيئة، إلى أن وجود هذه المعادن الثقيلة فى قاع التربة يؤدى إلى تغيير خصائصها وبالتالى تقليل خصوبتها، بالإضافة إلى انتقال هذه المعادن إلى السلسة الغذائية للإنسان من خلال انتقالها إلى أنسجة النباتات التى تزرع فى هذه التربة والحيوانات التى تتغذى على هذه النباتات والمزروعات الملوثة بهذه المعادن الثقيلة، وبالتالى تنتقل بشكل مباشر أو غير مباشر للإنسان وتتسبب فى مشكلات صحية كبيرة فيما بعد. 

شكوك

الدكتور مجدى علام

أما الدكتور مجدى علام، أمين عام اتحاد خبراء البيئة العرب ومستشار برنامج المناخ العالمى، فقد شكك فى دقة نتائج هذه الدراسة، قائلا إن هناك 12 دولة على مستوى العالم لديها دلتا أنهار، وكل هذه الدول لديها نفس تصميم الدلتا، لأن مصدر النهر غالبا ما يكون عن طريق أكثر من دولة، كما هو الحال فى نهر النيل عندما يمر بدول أفريقية عديدة ليأخذ مساره فيها حتى يصل إلى مصر فى النهاية. 

وأوضح «علام» أنه خلال هذا المسار تحدث عدة ظواهر، منها ترسيب كميات الطمى والرمال، وهذا الترسيب الذى يحدث باستمرار للطمى فى قاع النهر يجعل مسار النهر أضيق، ولذلك نجد الآن خلف بحيرة ناصر جبال من الطمى، لدرجة أن بعض الخبراء اقترحوا توفير آلية نستطيع من خلالها نقل هذا الطمى إلى الصحراء، لنحول هذه الصحارى إلى أرض طينية، لكن هذا الأمر مازال تحت التجربة.

وأشار أمين اتحاد خبراء البيئة العرب، إلى أن دلتا نهر النيل تصب فى البحر المتوسط، وهذه الدلتا يأتى إليها كميات كبيرة من مياه الصرف المختلفة، منها 12 مليار متر مكعب من الصرف الزراعى الذى لم يكن يعالج خلال السنوات الماضية، إلى أن قرر الرئيس عبدالفتاح السيسى تنفيذ عدة محطات كبرى لتنقيته، ثم نقلها إلى سيناء لزراعة 500 ألف فدان مع استغلال سحارات المياه أسفل قناة السويس التى أصبحت جاهزة الآن لنقل المياه إليها. 

وتابع «علام»: كمية مياه الصرف الصحى تصل إلى حوالى 7 مليارات متر مكعب، كان يتم إلقاؤها فى نهر النيل، لكن الآن معظم هذا الصرف يتم نقله إلى الأراضى الصحراوية ليتم إعادة استخدام الصبغة الخاصة به بعد تنقيتها لتخصيب الأراضى الصحراوية كأنها طمى، وجزء قليل منه فقط يتم إلقاؤه فى النيل حاليا.. أما الصرف الصناعى الذى يحتوى على عناصر ملوثة للمياه والبيئة فلا يتجاوز مليار متر مكعب، ولكن وزارة البيئة انتهت خلال الفترة الماضية من جميع منافذ الصرف الصناعى ولم يعد يتم إلقاؤه فى النهر، بعد تنفيذ العديد من  محطات التنقية والتحلية». 

وأكد «علام» أن هذا النوع من الصرف هو الأخطر لما يحتويه من عناصر معدنية ملوثة كالماغنسيوم واليوريا والكالسيوم، ثم يأتى بعده الصرف الصحى الذى تتمثل مشكلته فى أنه يختلط بعض الأحيان بمياه المجارى التى لم تتم معالجتها، ثم الصرف الزراعى الذى يعتبر الأقل خطورة، لأن المياه الزائدة عن حاجة النبات خلال عملية رى المزروعات بها خرجت إلى الترع، خصوصا بعدما تم تخفيض الكميات المستخدمة من الأسمدة الكيماوية أثناء الزراعة، ولذلك فالخطورة التى تتحدث عنها هذه الدراسة لم تعد موجودة خاصة بعد الجهود الكبيرة التى بذلتها الدولة فى السنوات الماضية لتحلية وتنقية ومعالجة مياه الصرف بكل أنواعه. 

وتابع: «كان من الممكن أن نفترض صحة نتائح هذه الدراسة إذا كانت صادرة قبل 15 عاما من الآن، لأن وقتها كان كل الصرف يتم إلقاؤه فى النيل، لكن الآن الوضع تغير وأصبحت الأمور أفضل بكثير، خاصة أن 70% من القرى الواقعة مباشرة على النيل أصبح فيها محطات صرف بعد دخولها فى مشروع حياة كريمة، لأننا فى حاجة إلى الحفاظ على كل قطرة مياه لإعادة استخدامها». 

وأضاف أن كل المنح التى جاءت إلى وزارة البيئة خلال الـ 25 عاما الماضية تم تحويلها إلى وقف الصرف الصناعى على النيل، ولذلك فإن نتائج الدراسة غير دقيقة ووجودها مرتبط بوجود صرف صناعى على النيل، وبما أن مصر انتهت من مشكلة هذا الصرف فإن هذه الدراسة غير دقيقة وقديمة. 

إعادة الدراسة

الدكتور شريف فياض

وقال الدكتور شريف فياض، أستاذ الاقتصاد الزراعى بمركز بحوث الصحراء، إنه يجب إعادة تحليل مكونات قاع نهر النيل للتأكد من نتائج هذه الدراسة أولا قبل التسليم بها.

وأضاف «فياض» أن الدلتا هى مخزن الغذائى الرئيسى فى مصر، ولو أن هذه الدراسة صحيحة فسيكون هناك تأثير على إنتاجية الأرض الزراعية، خصوصا على إنتاج محاصيل الأرز والقمح والذرة والبرسيم، فضلا عن تلوث المنتجات بالعناصر الثقيلة، التى يأكلها الإنسان فى النهاية وبالتالى فإن صحة المواطن ستكون فى خطر.  

وشكك أستاذ الاقتصاد الزراعى بمركز بحوث الصحراء، فى نتائج هذه الدراسة، مشيرا إلى أنه لا يعتقد بأنها صحيحة، لأن المراكز المختلفة تقوم بعمل تحليل للتربة فى الدلتا بشكل مستمر، وإذا وجدوا تغيرا فيها سيتم التحرك لمعالجته بالتأكيد، ولكن بما أنه لم يتم الإعلان عن أى تغيير فإن الوضع مطمئن.