«هذا هو الإسلام»
رسالة الإسلام رسالة حياة وإحياء ليس للبشر بل لكل الكائنات، فوضع أسس للتعاطى مع الجماد والنبات والحيوان وحجر والشجر، وفى هذه السطور أريد أن أظهر جمال الإسلام فى عنايته بالنبات واعتباره كائن حى له حقوق على الإنسان المستخلف فى الأرض، والبداية كانت بتحريم الإفساد فى الأرض خاصة النبات ومنبع جذوره فقال تعالى:«وَلاَ تُفْسِدُواْ فِى الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا»(الأعراف:56)، وقال:«وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِى الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ»(البقرة:205)، وجعل من شعيرة الحج مدرسة كبرى لفقه معاملة الإنسان مع الكائنات وفى القلب منها النبات حيث أمر المُحْرم بالحج والعمرة بعدم قطع النبات وإفساده، ورتب على ذلك عقوبات، وفى غير الإحرام نهى عن حرق النخل وقطع الشجر المثمر فعن ثوبان أنه صلى الله عليه وسلم قال: من قتل صغيرًا أو كبيرًا أو أحرق نخلا أو قطع شجرة مثمرة... لم يرجع كفافا»(رواه أحمد) ونهى النبى عن قطع شجر السدر وهو من شجر النبق ينتشر فى أرض الجزيرة العربية، ورد ذكرُه فى القرآن الكريم فعن عبد الله بن حبيش قال: قال رسول الله: «من قطع سدرة صوب الله رأسه فى النار»(رواه أبو داود) وقال: هذا الحديث مختصر يعنى من قطع سدرة فى فلاة يستظل بها ابن السبيل والبهائم غُشمًا وظلمًا بغير حق يكون له فيها: صوب الله رأسه فى النار.
وعن أم المؤمنين عائشة عن رسول الله قال: »إن الذين يقطعون السدر يصبون فى النار على رؤوسهم صبًا«( وروى البيهقي)، كما كان من الأوامر الكبرى التى تُعد فى زمننا خطاب تكليف لقادة الجيوش عند اندلاع الحروب «اغزوا بسم الله فى سبيل الله من كفر بالله ولا تغدروا..ولا تقطعوا نخلا ولا شجرة ولا تهدموا بناء« وهذا المسلك فيه الحفاظ على التنوع النباتى وصيانة سلسلة الغذاء من الخلل والدعوة للغرس والبناء حتى أخر لحظة فى عمر الأرض فعن أنس قال: قال رسول الله:«إن قامت الساعة وفى يد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها فليغرسها»( رواه أحمد) ومن العجيب أن النبات أحس بهذه الشفقة النبوية عليه فبادله الحب بالحب، والرحمة بالرحمة، فعن يعلى بن مرة -رضى الله عنه- قال: سِرْنَا فَنَزَلْنَا مَنْزِلًا فَنَامَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَجَاءَتْ شَجَرَةٌ تَشُقُّ الْأَرْضَ حَتَّى غَشِيَتْهُ ثُمَّ رَجَعَتْ إِلَى مَكَانِهَا، فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللَّهِ ذُكِرَتْ لَهُ، فَقَالَ: «هِيَ شجرةٌ استأذَنَتْ ربّها -عز وَجل- أَنْ تُسَلِّمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَذِنَ لَهَا»(رواه أحمد) فإذا كان الإسلام يخشى من قطع شجرة سدر فى الصحراء؛ لأنها قد تكون محل ظل لسائر وطعام لجائع؛ فما بالنا والعديد من الدول تقوم بالقطع الجائر للإشجار وتخل بالتوازن البيئ، بل وبعضها يلقى القمح فى البحر حتى لا يقل سعره فى السوق العالمى والملايين حول العالم يموتون سنويًا من جراء الجوع والفقر.
من علماء الأزهر والأوقاف