ندى
كثير هم من جاءوا إلى مصر, فأقاموا فيها، وذابو فى حبها, ورفضوا العودة إلى بلادهم التى نشأوا فيها, وفضلوا البقاء فى أم الدنيا, وهو وصف صادق وأمين لبلد تمثل منجما بشريا صدر للعالم العلماء والقادة والفاتحين, وأنجبت رموز الدين والثقافة والفن والمفكرين، وتناغم أزهرها الشريف مع مؤسساتها الأخرى ليرسم بانوراما عربية أنيقة مرصعة بالدر واللؤلؤ، فهى بلد القامات العظيمة فى مختلف الميادين، ولذلك كان قدرها تحمل الأمانة التاريخية تجاه الأمة العربية، فكانت على الوعد والموعد الذى تكفلت به طوال التاريخ، وليس غريبًا على مصر العظيمة أم الحضارات وسليلة التاريخ وأرض الكرامات أن تضطلع بهذه الأمانة التاريخية العظيمة.
لم يكن طبيب الحميات القبطى السورى الأصل والإيطالى الجنسية يدرك أنه سيكون سبباً فى بناء أكبر مستشفى للأمراض المتوطنة فى الشرق الأوسط، فقد جاء إلى مصر وعاش فيها وأحبها, وعشق شعبها وكان متزوجا من يونانية فأرادت أن يعود معها إلى اليونان ولكنه رفض، وأصر على البقاء فى مصر يعالج شعبها ويتفانى فى خدمته حبا فى مصر والمصريين حتى مات على أرضها ودفن فى ترابها.
الطبيب ثابت ثابت، الذى حلم قبل ثلاثة وثمانين عامًا بأكبر مستشفى للأمراض المعدية فى الشرق الأوسط يكون موطنه مصر عشقا وحبا وخشية على أهلها من الجوائح المعدية، ماظهر منها أيامه وما بطن بعده.
أوصى«ثابت» قبل وفاته بالتبرع بكل ما يملك، ومنها قطعة أرض فى شارع الهرم تبلغ مساحتها 7300مترلإقامة معهد ومستشفى للأمراض المعدية، مرت سنوات طويلة على وصية الرجل وخلالها لم يقتنع الورثة وقاموا بتحريك دعاوى قضائية عديدة ضد الحكومة، التى آلت إليها الأرض وفقاً للوصية لينتهى الأمر عام 1990 بتنفيذ الوصية، وصدور قرار وزارى بنقل الحراسة على التركة إلى كلية طب قصر العينى.
حصلت جامعة القاهرة على الترخيص بالبناء منذ أوائل التسعينيات من القرن الماضى، أى منذ أكثر من ربع قرن، سنوات طويلة أخرى مرت توقف فيها المشروع تمامًا، ليعيد إحياءه الدكتور جابر نصار، الرئيس السابق لجامعة القاهرة عام 2013، ويكمل البناء الدكتور محمد عثمان الخشت.
وقال «الخشت» فى تصريحات سابقة: « تعاقدت الجامعة مع جهة كبرى لاستكمال مستشفى ثابت ثابت الجامعى، ليصبح من أكبر المستشفيات فى العالم لعلاج الأمراض المعدية والباطنة والمتوطنة، وأول معهد طبى بحثى متخصص فى الأمراض المعدية».
ولفت الخشت، فى بيان له، إلى أن الرئيس عبدالفتاح السيسى وجه بتمويل مالى للمستشفى يُقدر بنحو 500 مليون جنيه من صندوق تحيا مصر لاستكمال 90% من الأعمال المتبقية بالمستشفى، وأن مجلس الجامعة قدم الشكر للرئيس على دعمه الكبير للمستشفى.
وأضاف «الخشت»: إن مستشفى ثابت ثابت ينقسم إلى 4 مبان، بقدرة استيعابية نحو 300 سرير موزعة ما بين الداخلى والرعاية المركزة والطوارئ، ويضم المستشفى مبنى للأبحاث العلمية فريد من نوعه على ثلث مساحة الأرض، كما يشمل مركزًا بحثيًا متقدمًا فى الأمراض المعدية.
وفى أحدث تصريحات رسمية كشف الدكتور حسام صلاح المدير التنفيذى لمستشفيات جامعة القاهرة إنه من المقرر أن يتم خلال عام افتتاح مستشفى ثابت ثابت أول مستشفى جامعى فى محافظة الجيزة, موضحًا أن المستشفى تغطى محافظة الجيزة وخاصة منطقتى الهرم وفيصل وستكون مستشفى يدعم افتتاح المتحف الكبير بتكلفة إنشاء تصل إلى مليار جنيه.
رحل الدكتور ثابت وبقيت روحه الطاهرة وأعماله الخالدة الرائدة شاهدة على قصة حب جديدة للمحروسة.
رحم الله الطبيب العاشق لمصر وحفظ أهلها.