رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حكاية وطن


محمود غلاب
 

خلال السنوات التى تلت صدور دستور 1923 اعتدى الملك فؤاد على الدستور ثلاث مرات، أولاها فى مارس 1925، عندما عطل الحياة النيابية لمدة عام وشهرين تقريبا، ثم عطلها مرة ثانية من يوليو 1928 إلى أكتوبر 1929، وثالث مرة بعد أقل من عام من عودة الحياة البرلمانية عام 1929، وكان النحاس باشا قد شكل الوزارة فى الأول من يناير 1930، فشلت الحكومة فى انتزاع معاهدة مع انجلترا تحقق آمال الشعب، واصطدمت الحكومة بالملك حول حقوق الأمة، عندئذ قدم النحاس استقالة حكومته فى 17 يونيو 1930 فقبلها الملك رغم رفض البرلمان لها، وكلف اسماعيل باشا صدقى بتشكيل الوزارة فى 20 يونيو 1930.
استغل صدقى منصبه، وأصدر مرسوما بتأجيل اجتماع البرلمان شهرا، اعتبارا من 21 يونيو، أى اليوم التالى لتأليفه الوزارة، فهو يعلم أن مجلس النواب كان قد جدد الثقة بحكومة النحاس باشا المستقيلة، وإنه لن يمنح حكومة صدقى الثقة، ولكن رئيسى مجلس البرلمان ويصا واصف وعدلى يكن أصرا على حق المجلسين فى الانعقاد فى الموعد المحدد من قبل ليتلوا مرسوم التأجيل على النواب، وبدأت الأزمة تتصاعد عندما وجه صدقى خطابا إلى ويصا واصف يبلغه فيه بأنه غير مسموح لأى عضو من أعضاء مجلس النواب بالحديث بعد تلاوة مرسوم تشكيل الحكومة ومرسوم بتأجيل انعقاد البرلمان، وينذره فيه باتخاذ الوسائل الكفيلة بضمان ذلك، لكن ويصا واصف الذى كان يعتبر نفسه ممثلا للأمة يستمد منها سلطتة، رد على الإنذار ردا حاسما، جاء فيه: «أنه ليس من حق الحكومة أن توجه إلى رئيس مجلس النواب مثل هذا الخطاب؛ لما فيه من تدخل السلطة التنفيذية فى إدارة جلسات المجلس».
«وجاء رد  صدقى بمحاصرة البرلمان واغلاق أبوابه بالسلاسل الحديدية يوم 23 يونيو 1930، ومع ذلك فقد اتجه النواب والشيوخ إلى مبنى البرلمان فى الموعد المحدد، وأصدر ويصا واصف أوامره إلى حرس البرلمان بتحطيم السلاسل الحديدية بالبلط، ودخل النواب إلى مجلسهم وعقدوا الجلسة، ووجه عدلى باشا يكن رسالة احتجاج شديدة اللهجة إلى رئيس الحكومة.
وبعدها بثلاثة أيام أى فى يوم 26 يونيو عقد أعضاء مجلس الشيوخ والنواب وعدد من أعضاء مجالس المديريات اجتماعا بمقر النادى السعدى، النادى السياسى للوفديين، وأصدروا بيانا أقسموا فيه على الدفاع عن الدستور ومقاومة كل اعتداء يقع عليه، واتفقوا على عدم التعاون مع الحكومة، وفى الأسابيع التالية تصاعدت موجات الاحتجاج فى مختلف مدن مصر، وتصدى النظام لها بالقوة المسلحة مستعينا بالجيش إلى جانب الشرطة، فسقط عشرات الشهداء دفاعا عن الدستور.
وفى يوم 12 يوليو استصدرت الحكومة من الملك مرسوما بفض الدورة البرلمانية بالمخالفة للدستور، فالبرلمان لم يكن قد أقر الميزانية بعد ولم يكن قد أمضى فى دورته 6 أشهر، كما ينص على ذلك دستور 23، وعادت الحكومة إلى اغلاق مبنى البرلمان واحتلاله بالقوة المسلحة.
رد النواب بتقديم عريضة إلى الملك يطلبون منه دعوة البرلمان إلى اجتماع غير عادى يوم السبت 26 يوليو 1930 لاستجواب الوزارة والاقتراع على الثقة بها، لكن الملك لم يستجب، فعقد النواب اجتماعهم للمرة الثانية فى النادى السعدى.
وفى 21 سبتمبر 1930 قدم النواب عريضة ثانية إلى الملك يطالبونه فيها بدعوة البرلمان للانعقاد فى اجتماع غير عادى فى أقرب وقت، للنظر فيما عرضته الوزارة من تعديل قانون الانتخاب، واتخاذ القرار الذى يراه المجلسان فى ذلك، وذكروا فى عريضتهم أن النواب فى اجتماعهم السابق يوم 26 يوليو 1930 كانوا قد أصدروا قرارا بعدم الثقة بالوزارة، الأمر الذى يوجب استقلالتها.
ولم تأبه الحكومة برأى الأمة، ولا بمعارضة النواب من الوفد حزب الأغلبية، ولا حتى برأى أصدقائها القدامى الأحرار الدستوريين الذين أصدروا بيانا يطالبون فيه بألا يمس التعديل لقوانين الانتخاب الأسس الدستورية.
وأخبر صدقى الجميع فى صورة انذار نهائى بأنه اتفق مع الملك على اصدار دستوره الجديد، ومضى صدقى إلى نهاية الشوط، فأعلن الغاء دستور الأمة «دستور 23» لإصدار دستور الملك، وصدر بذلك المرسوم الملكى بتاريخ 22 أكتوبر 1930، كما صدر فى اليوم نفسه قانون الانتخاب الجديد، وصدر الأمر بحل مجلس النواب والشيوخ القائمين.
الانقلابات الدستورية تسببت فى تراكم الغضب بقلوب المصريين، وأوصلت البلاد إلى انتفاضة، وكان مسلك وزارة محمد توفيق نسيم والقصر والانجليز المتمم لوضع البلاد على طريقها، فرغم إقدام الوزارة على خطوة ابطال العمل بدستور 1930 إلا أنها لم تعد العمل بالدستور 1923، وذلك بمشاركة الملك، ولم يقف أمر توفيق نسيم عند حد المماطلة هو والملك فى إعادة الدستور، بل إنه استشار المندوب السامى البرلمانى حول مسألة الدستور، فأبلغه أن حكومة بريطانيا ترى تأجيل المسألة وعندما تسنح الفرصة يبحث فى وضع دستور جديد، وفى الوقت الذى صارت فيه الأمور الداخلية على الصورة السابقة شهدت الساحة الدولية الإعلامية عاملا جديدا كان له تأثير مباشر على الوضع فى مصر.
وفى 9 نوفمبر حدثت الشرارة الأخيرة التى ألهبت المشاعر، عندما صرح السير صمويل هور وزيرالخارجية البريطانية: «اننا لما استشرنا فى أن يعود النظام الدستور لمصر كانت نصيحتنا ضد اعادة دستورى 1923 و1930 لأنه ظهر أن الأول غير صالح للعمل به».
وفى صباح يوم 13 نوفمبر، اشتعل بركان الغضب، وكان اليوم يوافق ذكرى عيد الجهاد الوطنى، فخرج الطلاب فى صياح ذلك اليوم منضما إليهم طلاب المدارس فى مظاهرة، هاتفين ضد تصريح هور وانجلترا ومنادين بسقوط الحكومة، وحدث صدام بين البوليس والطلاب عندما حاولوا اجتياز كوبرى الجامعة إلى القاهرة وحدثت اشتباكات سقط من جرائها بعض الجرحى.
وكان من الطبيعى أن تشتد المظاهرات، ومع استمرار الضغط الشعبى أجبرت وزارة توفيق نسيم على الاستقالة فى 25 يناير 1936.
ولم تهدأ هذه المظاهرات إلا عندما صدر المرسوم الملكى بتأليف الوزارة الجديدة وزارة على ماهر الأولى فى 30 يناير 1936، وتوج كفاح الشعب فأعيد دستور 1923 ودخلت مصر فى طور جديد من حياتها السياسية.