رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حكاية وطن

فى الأيام الأولى للكون عاش البشر فى بعد غير مادى، وكانوا يتراقصون على الهواء وكأنهم فى عبقر، فلم يحتاجوا إلى طعام أو لباس ولا ملكية خاصة أو عائلة، أو حكومة أو قوانين، لكن دور الاضمحلال الكونى بدأ حينها، وأصبح البشر مرتبطين بالأرض، فشعروا بالحاجة للطعام، والملجأ. ولما خسر الناس مجدهم فى أول الزمان، ظهرت للعيان فروق الطبقات، واتفق الناس فيما بينهم وقبلوا مؤسستى الملكية العامة والعائلة.

وبجانب ذلك ظهرت جرائم القتل والزنا وغيرهما، ولذلك اجتمع الناس وقرروا تنصيب واحد منهم ليحفظ النظام لقاء شطر ما ينتجونه من حقولهم وقطعانهم، وأطلقوا عليه «المختار العظيم» (ماهاساماتا)، ولقب بلقب «راجا» لأنه أسعد الناس، كما ذكر على مراسيم الملك «أسوكا» الصخرية أنه نادى بصياغة عقد اجتماعى كبير وبعيد المدى، ثم ظهر بعد ذلك العقد الاجتماعى.

خلاصة هذه النظرية هى أن وجود الدولة يرجع إلى الإرادة المشتركة لأفراد الجماعة، أى أن الأفراد اجتمعوا واتفقوا على إنشاء مجتمع سياسى يخضع لسلطة عليا، فالدولة على هذا الأساس قد وجدت نتيجة لعقد أبرمته الجماعة.

وأهم من اعتنق هذه النظرة ثلاثة من الفقهاء، على خلاف بينهم فى تفصيلاتها، حيث يرى «توماس هوبز» أن حالة الإنسان قبل نشوء الدولة كانت فوضى مبعثها الشر المتأصل فى نفوس البشر، وكانت الغلبة للأقوياء، والحق يتبع القوة، وإزاء هذه الفوضى والبدائية، وعدم توافر الأمن والاستقرار للأفراد، فقد بحثوا عن وسيلة لحمايتهم، وكانت هذه الوسيلة هى اتفاقهم على اختيار شخص من بينهم يكون رئيسًا عليهم، يتولى رعاية مصالحهم وحمايتهم، ويرى «هوبز» أن الحاكم لا يكون طرفًا فى العقد، وإنما يعقده كل الأفراد عداه، ويتنازلون بمقتضى العقد للحاكم عن جميع حقوقهم بدون قيد أو شرط، فسلطته مطلقة، ولا يسأل عما يفعل، وعلى الأفراد الخضوع والطاعة المطلقة له، ويلاحظ أن معنى هذه النظرة هو تأييد الحاكم الاستبدادى من منطلق أن القوة فوق الحق وليس الحق فوق القوة، وهو ما كان يهدف إليه «هوبز» باعتباره متحمسًا للنظام الملكى فى بلاده إنجلترا.

وإن كان «چون لوك»، قد تابع سلفه «هوبز».. فى أن الجماعة كانت تحيا فى فوضى، فإنه رأى أن الأفراد كانوا يتمتعون بحريتهم فى ظل القانون الطبيعى، ولكن لغموض هذا القانون، ولتشابك المصالح، رأوا أن يتركوا هذه الحرية المطلقة إلى نوع من النظام يقوم على أساسه التعاون بين الجماعة ويخضعون لحاكم عادل، فاتفقوا على اختيار أحدهم لتولى أمورهم، ويختلف «لوك» عن «هوبز».. كذلك فى أن الأفراد لا يتنازلون عن كل حقوقهم للحاكم، وإنما يحتفظون بالحريات والحقوق الأساسية لهم، كذلك فإن الحاكم يكون طرفًا فى العقد فإذا أخل فى شروطه جاز عزله.

أما الفرنسى »چان چاك روسو»، فيرى أن الإنسان كان يعيش قبل نشأة الدولة فى حرية كاملة، ولكن نظرًا لتعارض المصالح والميول والنزعات الشريرة، فقد اضطر الأفراد إلى البحث عن نظام يكفل لهم الأمن، ويحقق العدالة، فتعاقدوا على إنشاء مجتمع سياسى يخضع لسلطة عليا، ويعتبر هذا العقد هو أساس نشأة الدولة، وسند السلطة معًا ومؤدى العقد عند «روسو» أن الأفراد تنازلوا عن حرياتهم الطبيعية للجماعة مقابل الحصول على حريات مدنية جديدة يكفلها المجتمع لهم على أساس المساواة وأن العقد تولد عنه إرادة عامة هى إرادة الجماعة، وهى مستقلة عن إرادة كل فرد على حدة، وهى مظهر لسيادة المجتمع، وتعبير عن هذه السيادة، ولا يجوز التنازل عنها، أما الحاكم طبقًا لنظرية «روسو» فهو ليس طرفًا فى العقد، ولكنه وكيل عن الجماعة «الأمة» وفقًا لإرادتها، ولها حق عزله متى أرادت ذلك.

رغم الخلاف بين هؤلاء الفقهاء: «هوبز» و»لوك» و«روسو» حول نظرية العقد الاجتماعى، غير أنهم اتفقوا جميعًا على أساس واحد، وهو أن مصدر السيادة والسلطان فى الدولة هو العقد. وقد تعرضت هذه النظرية «نظرية العقد الاجتماعى» بصورها المختلفة، عند تقديرها إلى مطاعن عديدة، ولكن أهم نقد وجه إليها هو أنها تقوم على أساس افتراضى خيالى، لا أساس له من الواقع، إذ إن الأفراد لم يبرموا هذا العقد!

ورغم ذلك لاقت نظرية العقد الاجتماعى عند «روسو» حين نادى بها فى أواخر القرن الثامن عشر الميلادى ترحيبًا حارًا، ونجاحًا ملحوظًا، وكان لها تأثيرها على الثورة الفرنسية، وما أصدرته من الدساتير والتشريعات.