رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حكاية وطن

تلقيت رسالة طريفة من عضو مجلس شعب سابق من الثمانينيات، جزء منها مديح وجزء عتاب، بدأها بعبارة: «ما بلاش نتكلم فى الماضى»، على اسم أغنية للمطرب عمرو دياب، رسالة البرلمانى السابق جاءت رداً على مقالين متتاليين تناولت فيهما نواب الخدمات ونواب السياسة والنائب الموظف عند الوزير.

يعاتبنى النائب السابق بأننى ظلمت مجالس شعب ما قبل ثورة 25 يناير، وأن هذه الفترة من زمن السبعينيات فى فترة «السادات» وفترة «مبارك» فى الثمانينيات والتسعينيات كان فيها نواب لا يشق لهم غبار، وكانت تعمل لهم الحكومة ألف حساب، وحاربوا الفساد وواجهوا الظلم ودافعوا عن حقوق الشعب، وكانوا خير من مثل دوائرهم الانتخابية، وكانوا  يفوزون بمقاعدهم البرلمانية دون عناء، ودون تزوير أو إنفاق الملايين على الدعاية الانتخابية.

صديقى النائب السابق عنده حق، مع أنه لا يحمل إلا صفة واحدة من الصفات التى عدَّدها للنواب الذين كانت أصواتهم تجلجل تحت القبة، وكان حضورهم لمناقشة الاستجوابات التى يتقدمون بها إلى وزراء الحكومة يشبه حضور الموجهين أيام ما كنا فى المدرسة الابتدائية.

فقد كانت السماء تمطر بدون ماء، وتصدر أصواتاً بدون رعد، ونتصبب عرقاً فى عز الشتاء، ونتدثر بملابسنا فى عز الصيف، لأننا نكون فى يوم الحساب، أو يوم الامتحان الذى يكرم فيه المرء أو يهان.. هكذا كان بعض نواب زمان عندما يقفون على المنصة يستجوبون بعض الوزراء من خلال استجوابات تعتمد على مستندات حقيقية تصرخ من شدة التجاوزات التى تشير إليها، وأكتفى بأن أسميها تجاوزات، لأنها كانت تطول رؤوساً كبيرة فى الزمن الماضى، ولا داعى لتقليب المواجع، ولكن الماضى الذى يتحدث عنه النائب السابق هو الميراث الثقيل الذى يسدد الجيل الحالى فواتيره من عشوائيات وأمراض وديون، تغلبت عليها دولة 30 يونيو فيما يشبه المعجزات، ولم يكن الإصلاح سهلاً، لأنه من السهل أن تخطئ ولكن من الصعب إصلاح الخطأ، التكلفة كانت عالية، وباهظة، كان وراءها جهد وعرق، وإخلاص ودماء بريئة حتى تم تهذيب الوجه القديم الشاحب.

الماضى فعلاً لم يكن كله جراح، لكنه كان يكيل بعدة مكاييل، كان فيه من لا يملك يعطى لمن لا يستحق، بما فى ذلك مقاعد البرلمان، ومنهم حضرة النائب السابق الذى ورث مقعده فيما كان يطلق عليه قديماً مقعد العائلة من الجد إلى الحفيد!

فى الماضى كان فيه نواب ما زالت أعمالهم خالدة، فمن ينسى النائب علوى حافظ، والنائب عبدالمنعم حسين، والنائب على سلامة، والنائب طلعت رسلان وهم من نواب حزب الوفد الذين أثروا الحياة البرلمانية وكشفوا الفساد من خلال استجواباتهم للحكومة التى كانت تناقش فى عدة أيام وتهز الجدران وتكشف المتلاعبين بأموال الشعب.

ومن ينسى النواب كمال خالد وفكرى الجزار والبدرى فرغلى وأحمد طه، وحمدى السيد وحمدى الطحان وعادل عيد وعلاء عبدالمنعم هؤلاء الذين انحازوا للحق تحت القبة، ولم ينتظروا ذهباً ولم يخشوا سيفاً، وكان انحيازهم للشعب الذى منحهم أصواته ليكونوا صوته تحت القبة.

عندما تحدثت عن نواب الخدمات لم أقصد التقليل منهم ومن تصديهم لقضاء حوائج الناس وإعادة حقوقهم وإنصافهم أو مساعدة مريض على دخول مستشفى أو أرملة فى صرف مستحقات زوجها أو حتى الاطمئنان على زوجة ناخب فى المستشفى تنتظر مولودها القادم، ولكن كنت أتحدث عن الأداء المحلى والغرق فيه الذى كان يستنزف وقت النائب الذى له مهمة أساسية فى الدستور، وأن الخدمات التى يقوم بها هى من اختصاص آخرين مثل المرافق التى هى مسئولة من أعضاء المجالس المحلية، وعندما تحدثت عن نواب السياسة لم أقل إنهم أفضل من زملائهم نواب الخدمات، فالاثنان أفضل من نواب الكارنيهات الذين كانوا لا يدخلون المجلس إلا مرتين، مرة لاستخراج بطاقة العضوية، ومرة فى افتتاح دور الانعقاد حتى يطلع فى الصورة!

الكلام فى الماضى نستفيد منه فى الحاضر، حتى يستمر الصالح ونطالب به وينتهى الطالح ونرفض عودته، مثلاً لا نريد أن نرى نواب الكيف ونواب القروض ونواب النقوط ونواب الشيكات ونواب بيع التأشيرات ونواب نهب المال العام ونواب الاتجار بالحصانة ونواب المناسبات ونواب المواسم ونواب بالتوريث.

النائب هو عضو فى السلطة التشريعية يراقب أعمال الحكومة، ويقدم ويناقش مشروعات القوانين ويناقش الموازنة العامة للدولة، أما إقحامه فى الخدمات فهو تداخل بين السلطة التنفيذية ويتناقض مع الفصل بين السلطات، النائب الذى يحمل حقيبة ويتنقل بين الوزارات لاستجداء حقوق المواطنين أرى أن فيه انتقاصاً من السلطة التشريعية!