خط أحمر
يكتسب مؤتمر ميونيخ للأمن أهمية أكبر من سنة إلى سنة، ربما بسبب المخاطر التى تزداد فى العالم من عام إلى عام.
وفى دورة هذه السنة احتشد الحاضرون من شتى الدول، وكانت ظلال الحرب الروسية على أوكرانيا تخيم على الأجواء، ومن شدة هيمنتها على أعمال المؤتمر، فإن وزير الخارجية الصينى أعلن من فوق منصته أنه يحمل مبادرة للسلام فى أوكرانيا، وأنه سيحملها من المؤتمر إلى طرفى الحرب مباشرةً، وأن بلاده تأمل أن تلقى المبادرة قبولًا من الطرفين.
كان الوزير الصينى يعلن هذا الكلام، ولسان حاله يقول إن بكين تتمنى ألا يكون حظ مبادرتها هو نفسه حظ مبادرتين سابقتين.
والمتابعون لتطورات الحرب يعرفون أن البابا فرنسيس الأول، بابا الڤاتيكان، كان قد طرح مبادرة لوقف الحرب وإسكات مدافعها، لولا أن مبادرته ساء حظها، فلقيت قبولًا من طرف وأعرض عنها الطرف الثانى، ولم يكتب الله لها النجاح رغم صدق صاحبها فيما كان يطرحه.
وفى مرحلة تالية طرح الرئيس الروسى فلاديمير بوتين مبادرة من جانبه، وكان واقعيًا فى ناحية معينة من نواحيها، وكانت هذه الناحية تتمثل فى حديثه عن أنه يقدم مبادرة للسلام مع «كل أطراف الصراع الأوكرانى».. وكان حديثه عن أطراف تصارع بلاده فى الحرب لا طرف واحد، إنما يعنى أنه لا يحارب أوكرانيا وحدها، ولكنه يواجه أطرافًا وراءها ومعها.
ولم يكن حظ مبادرة بوتين، بأفضل من مبادرة بابا الفاتيكان، وكانت النتيجة أن الحرب استمرت إلى اللحظة، وأن المبادرتين صارتا جزءًا من التاريخ.
ثم جاء الدور على المبادرة الصينية، التى لقيت ما يشبه القبول على الجبهة الروسية، لولا أن الولايات المتحدة الأمريكية رفضتها، وقال الرئيس الأمريكى جو بايدن إن بوتين صفق لها، وأن هذا فى حد ذاته يدل على أنها مبادرة غير مناسبة.. وكان هذا غريبًا فى حد ذاته، لأن من بين بنود المبادرة بندًا يؤكد مبدأ احترام سيادة واستقلال الدول.. ومبدأ كهذا لا بد أنه يصب على نحو مباشر فى المصلحة الأوكرانية، ويخاطب ما تريده أوكرانيا ومن ورائها أمريكا فى النهاية.
لا تزال المبادرة الصينية مطروحة، وإذا ما لحقت هذه المبادرة بالمبادرتين السابقتين، فسوف يكون هذا من سوء حظ العالم، لا سوء حظ الأوكرانيين والروس وحدهم، لأن الضرر الناجم عن الحرب تجاوز حدود البلدين وفاض على كل شاطئ فى أنحاء الأرض.