رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

همسة طائرة

لعدة عقود مضت ارتبطت سياحة شواطئ البحر الأحمر باسم مصر باعتبارها أكبر دولة سياحية تطل على هذا البحر الدافئ. فشرم الشيخ والغردقة على وجه الخصوص بجانب مرسى علم ودهب ونويبع وطابا كانوا ومازالوا حتى اليوم أكبر نقاط جذب للسائحين الباحثين عن الدفء والغطس، لكن يجب علينا أن نوقن بأن دوام الحال من المُحال وثبات أفكارنا وعدم الالتفات إلى ما يدور حولنا لن يقودنا إلا إلى التراجع وفقدان الميزة التنافسية.

●● يا ســادة..لمــاذا نثير هذا الأمــر الآن؟ وما هو الجديد الذى يهدد تميزنا فى البحر الأحمر؟ يجيب يوسف سليم باحث ومستشار إستراتيجيات واقتصاديات الطيران قائلاً: »بعد الخــروج من أزمة جائحة كورونا ودخول عصر أزمات اقتصادية شديدة ناتجة عن صراع روسى غربى شامل انتبهت دول العالم إلى وجود تحديات كبيرة قادمة وأن على كل دولة من دول العالم إعادة اكتشاف مواردها وإمكانياتها البشرية والطبيعية وتوجيه استثماراتها بما يبعدها عن شبح الكساد الــنــاتج عــن الانحباس فــى نشاط اقتصادى واحــد كمصدر رئيسى للدخل.. وبالنظر حولنا نجد أن السياحة الشاطئية الترفيهية قد بدأت تأخذ اهتمامًا أكبر من دول مطلة على البحر الأحمر لم يكن لها أى مساهمة فى هذا النشاط من قبل. وبما أن البحر الأحمر هو خزينة إيــرادات السياحة الشاطئية المصرية – إن لم يكن المصدر الرئيسى للسياحة فى مصر عامة– فيجب علينا الاستفاقة بأننا لن نستمر كلاعبين ننفرد بتقديم البحر الأحمر كوجهة سياحية مفضلة.. ولعلنا فى حاجة إلى التعرف على إستراتيجيات اللاعبين الجدد حتى نتمكن نحن من وضع إستراتيجية جديدة وسياسات مرنة ومتطورة هدفها تنمية وتعظيم مكانتنا السياحية أو على أقل تقدير الحفاظ على هذه المكانة.. فمع ارتفاع أسعار البترول عقب الحرب الجارية استطاعت الــدول البترولية وعلى رأسها المملكة العربية السعودية من تحقيق عائدات قياسية، ومع إدراكهم بأن هذا الوضع لن يستمر وأن الأزمة ستنتهى يومًا ما وبعدها سيتوجه العالم إلى اقتصاد أخضر يعتمد أكثر فأكثر على مصادر طاقة متجددة، فقررت الحكومة السعودية الذكية استثمار هذه المــوارد الاستثنائية فى بناء بنية سياحية جاذبة تكون مصدرًا معتبرًا للدخل القومى السعودى. فطبقًا لرؤية »المملكة 2030«  فإن المخطط تحقيق ثلاثة أهداف محددة وهى:

 ●● أولاً..أن تمثل إيــرادات السياحة %10 من إجمالى الناتج المحلى السعودى.. واجتذاب 100 مليون زيارة سنويا.. وإتاحة مليون فرصة عمل جديدة فى مجال السياحة.. ولدعم تنفيذ هذه الخطوات والوصول للأهداف أطلقت الحكومة عددًا من اللوائح التى تهدف إلى المساهمة فى خلق بيئة جاذبة للاستثمار يُراعى فيها سهولة الأعمال والابتكار والاستدامة، والارتقاء بجودة الخدمات المقدمة وحماية حقوق السائح. كما أنشأت مجموعة من الهيئات والمؤسسات المالية التى تعمل على تحويل هذه الرؤية إلى واقع ملموس.. وإذا نظرنا على وجه الخصوص إلى مشروع جُزر البحر الأحمر )مالديف البحر الأحمر( أو مشروع )مدينة نيوم( فنجد أن المسئولين فى المملكة قد استعانوا بأفضل الخبرات لتخطيط وتنفيذ بنية تحتية مميزة وفريدة من نوعها لتكون جاذبة جدًا للسياحة الشاطئية والترفيهية.

 ●● الهوية البصرية..لــم ينس مسئولو السياحة فــى المملكة الاهتمام بالهوية البصرية وبناء صورة ذهنية سياحية جديدة ومن أجل تحقيق ذلك استعانوا بمكاتب تصميم راقية لتصميم شعارات ورموز وصور تجذب العين وتعكس الوعد بالخدمة المميزة.. كما يجب الإشارة إلى الأنشطة والفاعليات الثقافية والفنية والرياضية التى تحمل اسم »البحر الأحمر« ولم يعد مدلول البحر الأحمر سياحيًا هو الشواطئ المصرية بل أصبح العديد من الأنشطة والمواقع الإلكترونية التى تحمل هذا الاسم هى سعودية.

●● سهولة الوصول..كذلك لم تتناس رؤية المملكة أهمية تسهيل الوصول إلى المناطق السياحية الجاذبة الجديدة فقررت تأسيس شركة طيران جديدة يكون مركز عملياتها فى مدينة جدة على البحر الأحمر وتوافقوا على أن تكون هذه الشركة على نفس القدر من الجودة والكفاءة لمنافسة جيرانها من شركات الطيران الخليجية العملاقة، ويجرى حاليًا اختيار رئيسا لقيادة هذه الشركة من ذوى الكفاءة العالمية مع الاحتفاظ  بشركة الخطوط الجوية السعودية وشركات منخفضة السعر »فلاى ناس وفلاى اديل«. وبهذا يكون للمملكة أربعة أذرع للنقل الجوى تلبى احتياجات متنوعة للعملاء وتحسن كفاءة الوصول إلى مناطق الجذب السعودية سواء المناطق الجديدة أو مناطق السياحة الدينية التى تضمن للمملكة مكانة خاصة.

 ●● يا سادة..وسط ما طرحه خبراء اقتصاديات السياحة والسفر إذن ماذا نحن فاعلون؟ هل سنتنافس أم نتكامل؟ هل من رؤية شاملة لإعادة تمركزنا سياحياً؟ أم ننتظر أن يأتى يوما نتحدث فيه عن ماضينا عندما كنا روادًا فى سياحة البحر الأحمر؟.. سؤال يطرح نفسه على طاولة المسئولين عن السياحة والسفر فى مصر وخاصة وأن هناك خطة طموحة لجذب ٣٠ مليون سائح.. فماذا استعدت السياحة فى هذا الشأن؟

●● يا سادة..تضع الحكومة المصرية زيادة عائدات السياحة نصب عينيها، خاصة مع زيــادة الحاجة للنقد الأجنبى )المــوارد الدولارية(ومعاناة البلاد من فجوة فى التمويل الخارجى تبلغ 16 مليار دولار خلال السنوات الأربع المقبلة.. وتخطط الحكومة لزيادة عدد الزائرين إلى 30 مليون زائر سنويًا، أى أكثر من ضعف أعلى رقم حققته مصر فى تاريخها، وهو 14.7 مليون زائر عام 2010 بإيرادات بلغت 12.5 مليار دولار.

وتعافت السياحة العام الماضى، وبلغت إيراداتها 10.7 مليارات دولار خلال السنة المالية 2021/2022، مع الأخذ فى الاعتبار التأثيرات السلبية لــلأزمــة الروسية الأوكــرانــيــة، بحسب بيان البنك المركزى المصرى، ولكنها تظل أقل من أعلى مستوى تحقق عام 2019 والبالغ نحو 13 مليار دولار.. ويعتقد وزير السياحة المصرى أحمد عيسى أن وجود 30 مليون سائح سنويًا سيجنب مصر أزمة نقص العملات الأجنبى قائلاً: »لو يتحقق هذا الرقم فإن عجز الميزان التجارى سيغلق تمامًا«، مشيرًا إلى أهمية تحفيز الاستثمار الفندقى وزيادة عدد الغرف الفندقية والمطاعم السياحية فى مصر.. وبحسب تصريحات لرئيس الــوزراء دكتور مصطفى مدبولى، فإنه تم إجــراء تطوير شامل لمطار شرم الشيخ الدولى مما يؤهله لاستقبال أكثر من 10 ملايين سائح على مدار العام.

●● وقال تامر مكرم رئيس جمعية مستثمرى السياحة بجنوب سيناء، إن مكانة مصر السياحية بما تضمه من مقاصد متنوعة ومقومات مناخية فريدة تسمح بأن تصل إيرادات السياحة إلى 30 مليار دولار خــلال 3 ســنــوات، وأن تحقق أعلى من هــذا المستهدف، مضيفًا أن الجمعية تعد ورقة بأهم مقترحاتها وتوصياتها فى سبيل الوصول، لذلك الهدف خلال الفترة المقبلة. وذكر مكرم أن مصر أمامها فرصة فى ظل التداعيات التى تواجه الاقتصاد العالمى أن تستحوذ على نصيب أكبر من السياح، حال استغلال موقعها الاستراتيجى بين القارات الثلاث مما يسهم فى سرعة وصول السائح، وانخفاض تكلفة الإقامة فى مصر مقارنة بالأسواق المنافسة، علاوة على تنوع المقاصد السياحية بشكل يسمح لها باستقبال السياح طوال العام فى مقابل أسواق منافسة تستقبل سياحة موسمية، وتحقق إيرادات أعلى من مصر.

●● وقال الخبير السياحى أنور هلال نائب رئيس جمعية مستثمرى السياحة بجنوب سيناء ووكيل أكبر منظمى الرحلات الإيطاليين بمصر، إن سوق السياحة العالمية يشهد منافسة شرسة بين المقاصد السياحية لجذب أكبر عدد من السائحين والحصول على أكبر نسبة من كعكة السياحة العالمية وتعويض الخسائر التى لحقت بالقطاع نتيجة فترة الانحسار التى شهدتها الحركة السياحية على مستوى العالم بسبب جائحة كــورونــا التى أوقــفــت حركة السفر والسياحة تماما لبعض الفترات، بالإضافة إلى تداعيات الحــرب الروسية الأوكرانية التى ضاعفت الأعباء الملقاة على عاتق القطاع خلال الفترة الحالية. ويشهد المقصد السياحى المصرى حسب هلال منافسة كبيرة من عــدد من الــدول المــجــاورة مثل تركيا واليونان لجــذب أكبر عــدد من السائحين الأجانب خلال الموسم الشتوى الحالى بالرغم من أن مصر تتمتع بمميزات قوية خلال موسم الشتاء لا توجد فى أى مكان فى العالم أهمها المناخ المعتدل والشمس الساطعة دائما.. لافتًا إلى أن كل المؤشرات تشير إلى أن الحركة السياحية ستشهد تحسنًا ملحوظًا بدءًا من أبريل القادم تزامنًا مع أعياد »الايستر« التى ستشهد فيها المدن السياحية انتعاشة ملحوظة فى الحركة الوافدة لمصر، مشيرًا إلى أن المنافس الحقيقى لمصر خلال الفترة القادمة هو المملكة العربية السعودية التى بدأت تسحب البساط من تحدت أقدامنا بعد أن تفوقت على الكثير من المقاصد السياحية المجاورة بتنوع منتجها السياحى الذى يلبى جميع الرغبات، بالإضافة إلى منحها تسهيلات فى التأشيرات وحرصها على تذليل أى عقبات أمام السائحين بهدف مضاعفة الحركة الوافدة إليها طبقًا للاستراتيجية التى وضعتها مؤخرًا لوضع المملكة بقوة على خريطة السياحة العالمية لمنافسة الدول السياحية الكبرى.

●● همسة طائرة.. يا سادة.. مصر تتمتع بمقومات سياحية كبيرة لا تضاهيها أى دولة  أخرى منافسة ولكنها لم تستغل الاستغلال الأمثل حتى الآن وتستطيع أن تنافس وبقوة أهم المقاصد السياحية العالمية.. فمصر كانت وما زالت تاريخًا من التقدم والتحضر والفكر السابق وبذلت الكثير والكثير فى طريق ذلك ويبقى أن نحافظ على مكانتنا وأن نستغل إمكانياتنا التى حبانا بها اﷲ.. ونسعى لفكر خارج الصندوق للسياحة وجذب المزيد من الاستثمارات بعيدًا عن الأفكار الباليه التى ترمى الحمل على قطاعات أخرى.


[email protected]