حكاية وطن
فقدت مصر، كما فقدت الإنسانية، رجلا من أخلص وأكفأ الرجال، المهندس شريف اسماعيل رئيس وزراء مصر السابق مساعد الرئيس للمشروعات القومية، تولى منصبه فى وقت صعب عندما كانت مصر تحارب الإرهاب بالتزامن مع الأوضاع الاقتصادية الصعبة. قدم المهندس شريف اسماعيل كل ما استطاع بأمانة وفى أفضل صورة، وخدم البلد بكفاءة واخلاص فى كافة المناصب التى تولاها.
فقيد مصر الكبير أول رئيس وزراء مصرى يحصل على ثقة مجلس النواب فى ظل الدستور الحالى 2014 طبقا للمادة 146 من الدستور بعد تكليفه رئيسا للوزراء بقرار من الرئيس عبدالفتاح السيسى يوم 12 سبتمبر 2015 وقام بعرض برنامجه أمام مجلس النواب بعد انتخاب أول مجلس جديد عقب تعديل الدستور كأحد انجازات ثورة 30 يونيو، نال المهندس شريف اسماعيل ثقة أغلبية نواب البرلمان على برنامجه، صوت لصالحه 433 عضوا، ورفضه 38 عضوا، وامتنع 5 أعضاء عن التصويت. استجاب شريف اسماعيل لجميع التوصيات التى وردت فى تقرير البرلمان حول برنامج حكومته، واعتبرها تجسيدا للشراكة بين الحكومة والنواب، وأكد للنواب أن حكومته ليست لديها رفاهية الوقت فى ظل المعاناة التى يعانيها المواطنون من أزمات ومشكلات، وتعهد بتنفيذ استراتيجية توصيل الدعم لمستحقيه مع الحفاظ على عدم ارتفاع الأسعار، والتركيز على الشباب لتنمية قدراتهم العلمية والمهنية.
واجه «اسماعيل» أكبر فاتورة اقتصادية تحملتها مصر، وهى شح العملة الصعبة بسبب تداعيات ما مرت به البلاد بعد ثورتى 25 يناير و30 يونيو، ونتيجة للجهود التى قامت بها حكومته، شهدت مصر انسيابا فى تدفق الدولار، وانتعاشا فى حركة التجارة والصناعة بعد موجة تضخم كبيرة.
ومن خلال منصبه رئيسا للوزراء ووزير سابق للبترول، وضع شريف اسماعيل مصر لاعبا قويا على خارطة الطاقة الاقليمية، إذ تبنى حلما نجح فى تحقيقه، وهو تحويل مصر إلى مركز اقليمى للطاقة، وفى عهده أبرمت مصر عدة اتفاقيات لتصدير واستيراد الغاز من دول الجوار وحتى أوروبا، وأعادت مصر جهود صيانة وتشغيل بناها التحتية من الأنابيب ومراكز الاسالة حتى يتسنى لها تقرير دورها فى هذا القطاع. كما كان حفل ظهر العملاق للغاز أحد أبرز الاكتشافات النفطية التى شهدتها مصر فى عهده.
اتخذ اسماعيل قرارات مهمة من خلال رئاسته للجنة العليا لاسترداد أراضى الدولة لاعادة أراضى الدولة المنهوبة وتنفيذ قرارات الإزالة، والحفاظ على حقوق الشعب والأجيال القادمة، واتخذ قرارات صارمة ضد المتسببين فى إهدار أراضى الدولة، كما سهل عملية تقنين الأراضى لأصحاب الحيازات المستقرة، ونجح فى إعادة ملايين الأفدنة، وأدخل مليارات الجنيهات إلى خزانة الدولة.
فى سبتمبر 2016 تعرض فقيد مصر المهندس شريف إسماعيل لحالة اجهاد اثناء حضوره افتتاح الرئيس السيسى لأعمال تطوير المجمع الطبى للقوات المسلحة بكوبرى القبة، وعاد لمقر الوزارة فى هيئة الاستثمار، وواصل جدول أعماله اليومى، وبعدها بفترة سافر إلى ألمانيا لاجراء عدة فحوصات طبية، وبعد عودته من أداء فريضة الحج فى نفس الشهر ظهرت عليه علامات فقدان الوزن. ورغم مرضه أكمل واجبه على أكمل وجه، ودعا الله أن يكمل الدور المطلوب منه وتحقيق الكثير لمصر، وكان يتواجد فى مكتبه باستمرار.. قاوم المرض وتحمله من أجل الوفاء بالعهد، وعندما اشتد عليه المرض تقدم باستقالته فى يونيو عام 2018، وتكريما لدوره الذى قام به بإخلاص وتفان، عينه الرئيس عبدالفتاح السيسى مساعدا للرئيس للمشروعات القومية، وظل شاغلا للمنصب حتى وفاته.
وتقديرا من الرئيس السيسى لرجل أعطى لمصر الكثير من علمه وخبرته وصحته فى أصعب الظروف التى مرت بها البلاد، نعاه الرئيس السيسى إلى الشعب المصرى ووصفه بأنه رجل عظيم وفاضل ومخلص من خير رجال مصر، وتجسد فيه ضمير هذه الأمة، تحمل المسئولية فى أصعب الظروف وأحلك الأوقات وكان على قدر المسئولية الصعبة. كما قال الرئيس السيسى «لم أر من الراحل العظيم إلا كل تجرد واخلاص وأمانة ورغبة فى العطاء لا يبتغى شيئا إلا مصلحة وطنه».
وإذا كان الرئيس السيسى قد نعى المهندس شريف اسماعيل ببالغ الحزن والأسى، فإنه أشاد به فى حياته، فى كلمته ببدء الانتاج المبكر لحقل ظهر من الغاز الطبيعى قبل أيام من تقديم المهندس شريف اسماعيل لاستقالته عندما اشتد عليه المرض، قال الرئيس السيسى وسط تأثر الحضور وفى مقدمتهم رئيس الوزراء شريف اسماعيل: " المهندس شريف اسماعيل رئيس الوزراء، من أفاضل الناس اللى شفتهم فى حياتى.. وعندما ضجت القاعة بالتصفيق ووسط تأثر شريف إسماعيل أضاف الرئيس قائلا: صدقونى أنا ما بجاملش حد.
سيظل فقيد مصر المهندس شريف إسماعيل، نموذجا متفردا فى العطاء الوطنى، حاضرا فى ذاكرة المصريين، تقديرا لنبله، وأمانته، وأخلاقه، وحرصه على أداء الأمانة وعمله الدوءب متجاوزا آلامه حتى آخر لحظة فى حياته.