عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حتى نلتقى

من المؤكد أن عالم النساء يحتشد بالأسرار والحكايات والغرائب، تلك التى يجهل الكثير منها الرجل، بل يفاجئ ببعضها إذا ارتطم بمعلومة عجيبة أو موقف شاذ أو حكاية نسائية. وإذا كان الحب والمودة والغرام والزواج يظلل الأجواء التى تجمع الرجل بالمرأة أحيانا، فإن الصراع العلنى والمكتوم بينهما يبدو قائمًا ومحتدًا أحيانا أخرى.

من هنا يمكن أن نفهم لماذا أقدمت بعض نساء الصين على ابتكار لغة خاصة بهن فقط. لغة لا يعرفها الرجل على الإطلاق مهما امتلك من حصافة ومكر ودهاء. اطلعت على حكاية اللغة الخاصة هذه عندما ماتت قبل عشرين عامًا تقريبًا السيدة الصينية «يانج هو يانيي»، لأنها كانت آخر امرأة صينية تعرف لغة «النوشو» وأسرارها. تلك اللغة التى ابتكرتها النسوة اللاتى يعشن فى وسط الصين وجنوبها.

رحلت «يانج» عن عمر يناهز 98 عامًا، فاختفت إلى الأبد لغة «النوشو» التى ظلت لغة سرية تتحدث بها النساء فقط فى تلك البقعة الجغرافية الشاسعة من أراضى الصين.

المثير أن الوثائق المكتوبة بلغة «النوشو» نادرة جدًا لأن الحرق كان مصيرها الدائم، علاوة على أن طقوس الوفاة هناك تستلزم أن تدفن مع المرأة الميتة وثائقها المكتوبة بهذه اللغة الغريبة.

الأغرب أن «يانج» هذه كانت تتعامل مع قريباتها وصديقاتها بلغة «النوشو» فقط، إذ لم تكن تعرف القراءة أو الكتابة باللغة الصينية كما ذكرت وسائل الإعلام فى بكين عند وفاتها.

لقد أثارتنى بشدة حكاية لغة «النوشو»، فتناسلت الأسئلة فى رأسي: لماذا أقدمت النساء على «اختراع» لغة مختلفة لا يستطيع فك طلاسمها إلا هُنّ؟ هل لأن المرأة عمومًا تكابد الكثير من ضغط الرجال وبطشهم وأنانيتهم المتواصلة من قرن إلى آخر، فلجأت إلى حيلة لغوية للتواصل بينها وبين بنات جنسها بحرية دون خوف أو وجل من رجل متهور أو متربص؟ ثم كيف تمكنت المرأة من الحفاظ على هذه السرية طوال عدة قرون؟ ولماذا رضخ الرجل لمنطق السرية المفروض على لغة تتكلم بها أمه وأخته وزوجته؟.

فى ظنى أن المرأة فى الصين لجأت إلى هذه الحيلة لعدة أسباب منها: محاولة تجنب تطفل الرجل وغضبه، فاللغة السرية التى تسيل من شفاه النساء ستمكن المرأة من معرفة المزاج العام للرجل، وهل يعانى من ضجر ما؟ أم أن أساريره منشرحة، إلخ؟.

الجنس من الأسباب المهمة أيضًا التى دفعت النساء إلى تشييد بناء لغوى خاص بهن فقط، فالمرأة الشرقية، والصين قلب الشرق، تسبح فى بحيرة من الحياء فلا هى قادرة على أن تفصح عن مشاعر الغرام التى تعتريها بسهولة، ولا هى مستعدة لأن يطلع أى رجل، مهما كان، على عصافير الجنس الملونة التى تغرد فى صدرها، وبالتالى كانت الحيلة الجهنمية فى إنشاء معمار لغوى متكامل غير قابل للاقتحام من قبل الرجل.

للأسف، برحيل «يانج» اختفت لغة «النوشو» إلى الأبد.

يا خسارة.