رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حكاية وطن

اختص الدستور أعضاء مجلس النواب بمادتين فى باب سلطة الحكم، فصل السلطة التشريعية لحمايتها من بطش السلطة التنفيذية فى المادة 112: «لا يسأل عضو مجلس النواب عما يبديه من آراء تتعلق بأداء أعماله فى المجلس أو فى لجانه».

وفى المادة 113: «لا يجوز فى غير حالة التلبس بالجريمة اتخاذ أى إجراء جنائى ضد عضو مجلس النواب فى مواد الجنايات والجنح إلا بإذن سابق من المجلس. وفى غير دور الانعقاد يتعيَّن أخذ إذن مكتب المجلس، ويخطر المجلس عند أول انعقاد بما اتخذ من إجراء».

مجموع المادتين الدستوريتين أطلق عليهما الحصانة البرلمانية، والتى حوَّلها بعض النواب على مدى المجالس السابقة من حماية له من كيد السلطة التنفيذية إلى باب سحرى لجمع المال الحرام وحيازة الأراضى، وظلم الناس، والافتراء على خلق الله، كما كانت الحصانة سبباً فى تكالب أصحاب المال على عضوية البرلمان لأن فى حيازته للحصانة حماية له ولأمواله عندما تتحول إلى «مصباح علاء الدين» الذى يحقق له كل أحلامه.

الحكمة من الحصانة فى الدستور والقانون مقصودها رفع التهديد عن «العضو».. ودرء «التنكيل به» بمناسبة ممارسة عمله النيابى معبراً عن صوت الشعب رقيباً على الحكومة.. أو منتقداً لأى من أعضائها، فتضمن الحصانة بقاء صوته «مجلجلاً تحت قبة البرلمان.. دون خشية أو خوف».

وحكايات «الحصانة البرلمانية» منذ انطلاق الحياة النيابية فى ظل دستور 1923 تقصها لجنة تدوين التقاليد البرلمانية، فالمدونة التى صدرت عام 1982 ترصد سوابق وتقاليد على مدى أكثر من نصف قرن من الزمان.. وتؤكد أن الحكمة من الحصانة هى تمكين العضو من أداء واجباته البرلمانية وحمايته من أى إجراءات كيدية قد تتخذ ضده بقصد تعطيله عن أداء واجباته، خاصة إذا كان ذلك بتدبير من السلطة التنفيذية.

ومع الاستخدام الخاطئ للحصانة ضج الشارع، واستاء الناس من النواب الذين يظنون أنهم يلوذون بالقبة لتحميهم أو تعصمهم من الاتهام والمحاكمة عن وقائع وأفعال يرتكبونها فى حق الأفراد أو المجتمع وتستوجب التحقيق أو المحاكمة أو العقاب، ويزداد هذا الضجيج ويرفع الاستياء إلى درجة «الازدراء» إذا نجح النواب فى تحقيق هذا الظن ليصبح واقعًا، فتقف الحصانة بينهم وبين تطبيق القانون، ويفلت النائب من التحقيق والمحاكمة والعقاب.

وهذا الذى يضج الناس ويستاءون منه، ويشاركهم فيه الدستور والقانون والتقاليد البرلمانية الصحيحة، لأنه يناقض حكمة الحصانة، ويخرج عن غايتها ومضمونها، وهو أيضًا يناقض ما كشفت عنه محكمة النقض من زمن بعيد.. التى توجب على النائب أن يترفع على الشبهات، فيبادر إلى التخلى عن حصانته، ويرحب بالتحقيق.. فسيضرب القدوة والمثل بأنه أول المرحبين بتطبيق القانون.. شأن كل الناس، بل هو أولى الناس رفعة وثقة.

حصانة النواب ليست مطلقة ولا امتيازاً فوق القانون.. وحتى لا يظن الناس أنها كانت سبباً فى المعارك الانتخابية والقتال على الصفة النيابية لتستظلوا بها، وحتى لا يظهر مجلس النواب بأنه يخشى على النائب من أنه ذاهب إلى الجحيم إذا رفعت عنه الحصانة، أو يحميه ظالماً أو مظلوماً، فعلى المجلس أن يرفع الحصانة، ويأذن باتخاذ الإجراءات ما دامت استوفت بأن الاتهام والتحقيقات ليسا انتقاماً من العضو أو تهديداً له فى ممارسة عمله أو نتيجة له وأيضاً على العضو أن يبادر إلى طلب رفع الحصانة التى لا تعصمه من أفعاله وجرائمه خارج القبة!!

لائحة مجلس النواب فى المادة 359 تمنح النائب إذناً لسماع أقواله، وهذا الإجراء يختلف عن رفع الحصانة البرلمانية، حيث إنه فى الحالة الأولى لا تتخذ ضده النيابة إجراءات غير سماع الأقوال فقط، وإذا رأت أن سماع أقواله غير كافٍ تطلب إذناً آخر برفع الحصانة، وإذا وافق المجلس تستطيع حبسه وتقديمه للمحاكمة.

وهذا ما رأيناه فى مجلس النواب خلال جلساته الماضية، حيث منح أحد النواب بناء على طلبه إذناً بسماع أقواله فى واقعة «كمين شرطة 15 مايو».

وهنا أشيد بمجلس النواب الحالى الذى حوَّل الحصانة إلى الهدف الدستورى منها، وهى عدم مؤاخذة النواب عما يبدونه من آراء تحت القبة، وأخذ إذن المجلس إذا حدث ما يستدعى مساءلة العضو فى غير حالة التلبس، الحصانة فى العهد الحالى عادت إلى وضعها الطبيعى، ولم تعد وسيلة يستغلها العضو فى مخالفة القانون وحيازة الثروات والافتراء على خلق الله.. مجلس النواب الحالى لا يتمسك نوابه بالحصانة البرلمانية إذا كانت هناك مساءلة تستدعى التحقيق معهم، والمجلس لم يعد ملجأ لحماية نوابه من الاتهامات، هناك دستور يطبق، وقانون على الجميع يسرى، لأن الدولة بالكامل تخضع للقانون، كما نعد نسمع عن كلمة حصانة أو النائب أبوحصانة هذا المصطلح المرعب انتهى لأن البرلمان يطبق الدستور والقانون، لأنه أول من يناقشه ويقره ولابد أن يكون أول الملتزمين به.

الحصانة البرلمانية فى الماضى أثارت الصراعات بين المرشحين للوصول إلى مقاعد البرلمان، عن فهم خاطئ بأن العضو يمكن أن يتحصن بها لتستر أفعاله حتى لو كانت من الموبقات. الحصانة بريئة من كل هذا الذى كان يجرى، فالأصل أنها ليست «ميزة» للعضو، وليست حقاً له، وإنما هى حق للمجلس، وحماية لأداء رسالته أو مباشرة مسئولياته فى إقرار السياسة العامة للدولة والتشريع والرقابة على أعمال السلطة التنفيذية لصالح الشعب كله، وإذا كانت الحصانة فى السابق قد خرجت من سوء الزمن عن مقصدها ومرماها، واتسعت دائرتها، فإنها حالياً عادت إلى رشدها والغاية منها، وتم فتح الطريق لحكمة الحصانة ومعناها، فالحصانة حالياً تمنح النائب حماية مطلقة تحت القبة، وهى حصانة مقيدة خارجه بمسئوليات النيابة، فلا تحمى عدواناً على المال العام أو الخاص أو النفس.