حتى نلتقي
وفقا لبيانات الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء، فإن هناك حالة طلاق حدثت فى مصر كل دقيقتين خلال عام 2021، وهو أمر مخيف يزلزل أركان المستقبل، باعتبار أن الأبناء هم المستقبل، فمعظم الأزواج الذين يهرعون إلى طريق الطلاق أنجبوا البنات والبنين، ثم عذّبوهم بالانفصال!.
بالنظر إلى تاريخنا القريب، سنكتشف أن السينما المصرية ناقشت فكرة استقرار الأسرة وضرورة الحفاظ عليها مهما تعرضت للعواصف التى تغرى بالطلاق أو تحرض عليه، ولنا فى أفلام السيدة فاتن حمامة أسوة حسنة، فقد وعت هذه الفنانة الفذة دور الفن فى تعزيز القيم الإيجابية فى الحياة، علاوة على نشر فضيلة التسامح والتضحية من أجل استقرار الأسرة وضمان مستقبل آمن (نفسيا) للأبناء. وسأضرب لك مثلا بأربعة أفلام.
فى فيلم (حتى نلتقي) لبركات، والذى عرض فى 9 يناير 1958، تعشق فاتن عماد حمدي، ولما تعلم أنه متزوج وله ابنة، تقرر الابتعاد وترفض الزواج به رغم علمها التام أنه يعشقها وأنه (غير سعيد) مع زوجته، وتترك له رسالة دامعة تطلب منه أن يخبر زوجته وابنته أنها أحبتهما مثلما أحبته!.
أما فى فيلم (سيدة القصر) للمخرج كمال الشيخ، والذى عرض فى 17 نوفمبر 1958 أيضا، ترفع فاتن راية التسامح وتعود إلى زوجها عمر الشريف، بعد أن قدم اعتذاره، رغم أنه اتهمها بالخيانة مع صديقه عمر الحريري، بل ضربها بعنف وطردها من بيته الريفي!.
وفى تصرف بالغ النبل يؤكد إيمانها بالمستقبل وضرورة الحفاظ عليه، تقر فاتن حمامة بأنها (القاتلة) فى فيلم (لن أعترف) لكمال الشيخ، والذى عرض فى 16 أكتوبر 1961، إذ تيقنت، خطأ، أن زوجها أحمد مظهر هو القاتل، لكنها أبت أن يدخل (والد ابنها السجن) وقالت لشقيقها أحمد رمزي: (الابن يحمل اسم أبيه)، وهكذا ضحت بنفسها، رغم أنها لم تقتل، من أجل مستقبل ابنها!.
ثم نأتى إلى (إمبراطورية م) لحسين كمال، والذى عرض فى 6 نوفمبر 1972، حيث ترسخ فاتن مفهوم التضحية بشكل بديع، فهى أرملة شابة جميلة لديها ستة أبناء، ورغم جوعها إلى الحب، ورغم احتياجها الشديد إلى حضن رجل، وقد عثرت عليه بالفعل، لكنها رفضت الزواج به، حرصا على السلامة النفسية لأبنائها، خاصة الذكور، فالابن لا يحتمل أبدا أن يرى والدته تبيت فى حضن رجل آخر غير أبيه، وإذا أبدى الابن موافقة تحت ضغط ما، فإن جهازه النفسى سيتدمر بكل تأكيد، وكم رأيت العذاب يتسكع فى أعين أبناء تزوجت أمهاتهم رجالا غير آبائهم!.
هذه التضحيات الكبيرة التى قدمتها فاتن حمامة فى أفلامها هدفها الأهم هو الحفاظ على المستقبل النفسى للأبناء بوصفهم رموزا للمستقبل، ومع ذلك يصح القول إن الرجل يقع عليه العبء الأكبر فى استيعاب المزاج العام لزوجته وتقديرها وإبداء الحب الكبير لها على الدوام، حتى لا تنفر منه وتهرع نحو أقرب مأذون!.