عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

كنت وما زلت مهموماً كثيراً بسؤال التنمية المُلح: لماذا صارت الأمم المتقدمة اقتصادياً متقدمة ولماذا فشلت غيرها؟

وقبل أيام قرأت كتاباً إنجليزياً، صدر مؤخرا يحاول تقديم إجابات استنادا إلى تحليل التاريخ وتغيرات الجغرافيا وتطور سلوكيات وطبائع الشعوب، كتبه باحثان مخضرمان هما مارك كوياما، وجاريد روبين.

يحمل الكتاب عنوانا رئيسيا لافتا هو «كيف صار العالم ثرياً؟» ومن بعده عنوان آخر شارح هو «الأصول التاريخية للنمو الاقتصادى» ويتتبع الكتاب تاريخ تحول الدول المتقدمة من الزراعة إلى الصناعة، وكيف ولماذا نجحت الثورة الصناعية أولاً فى بريطانيا، ثم فى الولايات المتحدة وباقى دول أوروبا؟ ولماذا لم تنجح فى بلادنا؟ ثم كيف أفلتت بعض بلدان الشرق مثل اليابان ولحقت بركب التنمية؟

لقد بدأت الثورة الصناعية فى النصف الثانى من القرن الثامن عشر، ولم ينقض القرن التاسع عشر إلا وكانت الثورة قد انتقلت إلى كثير من الدول الأوروبية الأخرى. وفى ظل الأرباح المتحققة وارتفاع الأجور للعاملين فى القطاع الصناعى انتقلت أغلبية القوى العاملة من قطاع الزراعة والصناعات الحرفية البسيطة إلى الصناعات الآلية، وذكر إحصاء يخص العمال فى بريطانيا سنة 1851 أن العاملين فى القطاع الصناعى يمثلون 45 فى المئة من القوى العاملة بينما يمثل العاملون فى الزراعة 23.5 فى المئة.

وفيما بعد اتسعت فكرة تزاوج العلم بالتطور الصناعى وهو ما سماه البعض بالثورة الصناعية الثانية، وهكذا مهدت الابتكارات والاكتشافات الجديدة فى الطب والكيمياء والطاقة الطريق لمزيد من الاختراعات، وحققت الدول الحاضنة لهذه الأنشطة نمواً كبيراً انعكس إيجابياً على مستوى المعيشة.

وثمة حقيقة واضحة فى ذلك الوقت هى أن النشاط الاستعمارى كان له تأثير كبير فى حجب دول الشرق عن اللحاق بالتقدم الصناعى، حيث كانت هذه البلدان لا تتمتع باستقلالية اقتصادية تسمح لها بالمضى فى طريق النهضة، كما أن بعض السمات الثقافية السائدة ساهمت فى تعطل السير فى مسار المعرفة والتطور.

ويرى مؤلفا الكتاب أنه من الصعب جداً أن ينطلق أى مجتمع نحو النمو الاقتصادى بدون قيم حاضنة تستحسن العمل الدؤوب وتحرض عليه وتحفز على المخاطرة والادخار والبحث عن كل مستحدث.

ويبدو ذلك صحيحاً لأن هناك دولاً شرقية تمكنت من اللحاق بركب التطور التكنولوجى والتقدم الصناعى اتساقاً مع ثقافة العمل لديها، فنجحت اليابان فى التحول بسرعة إلى الصناعات الأكثر تعقيداً وحذت دول شرق آسيا الأخرى مثل كوريا الجنوبية وتايوان وسنغافورة وهونج كونج حذوها.

ومع الوقت انزاحت الحدود والحواجز وانفتحت الآفاق أمام الراغبين فى التعلم واكتساب المهارات فى كافة دول العالم، وصار من الممكن عملياً تحقيق خطوات سباقة فى كثير من مجالات الصناعة والتكنولوجيا.

وفى تصور المؤلفين، فإن هناك حوالى مليار شخص فى فقرٍ مدقع يعيشون فى إفريقيا وأمريكا اللاتينية وآسيا الوسطى وجنوب شرق آسيا، وجميعهم يتطلعون إلى تحسين معيشتهم، وهو ما لن يتحقق إلا بتزاوج المعرفة والعمل، وبالتغيير الكلى للثقافات السائدة. ومن المهم هنا أن نشير إلى أن ثقافة العمل فى كثير من البلدان العربية ما زالت بعيدة عن قيم التحفيز والمخاطرة والإجادة، وما زالت موصومة بالجمود.

وما يفيدنا به مثل هذا الكتاب هو أن نعرف أن طريق التنمية الاقتصادية ما زال منفتحاً أمام كافة البلدان. فمصر اليوم تواجه أزمة اقتصادية كبرى، قد تحمل تأثيراً سلبياً على معدل خلق وظائف جديدة، وهو ما يتطلب ثورة فى ثقافة العمل السائدة، وتحرراً وانفتاحاً لا حدود له على المعرفة والعلوم، ودعماً كبيراً لبحوث الصناعة والتكنولوجيا. ففى كثير من الأحيان، تُخلف الأزمات الكبيرة تغييرات كبيرة تصب فى الطريق الصحيح.

وسلامٌ على الأمة المصرية.