عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تأملات

تصلح واقعة مداهمة مكتب التحقيقات الفيدرالى الامريكى لمنزل الرئيس الامريكى السابق دونالد ترامب، لأن تكون نموذجا ومثالا جيدا على كيفية التوظيف السياسى للحدث وان النظر للحقيقة يمكن ان يتم من زوايا متعددة وليس من زاوية واحدة. وقد كان ترامب وقت المداهمة فى مدينة نيويورك واعتبر من وجهة نظره ان مثل هذا الحدث «يمثل اوقاتا عصيبة لأمتنا وأن المداهمة المفاجئة لمنزله لم تكن ضرورية أو مناسبة». ربما كان ذلك صحيحا رغم ان المسألة قد يكون لها ابعاد تتجاوز التناول والشرح فى هذا المقال.

غير أن ما يهمنا هو زاوية النظر للواقعة ذاتها، فقد راح البعض يشير إلى انها تكشف عن هشاشة الحريات فى الولايات المتحدة، واستند هذا الرأى إلى انه جاء على خلفية تصريحات لترامب قبيل الحدث بمحاربة الدولة العميقة فى الولايات المتحدة وجوانب اخرى تتعلق بالكونجرس الامريكى وقضايا فساد. الرؤية التى حاول البعض تسويقها على هذه الخلفية أنه حتى فى الولايات المتحدة وبمجرد ان فتح ترامب فمه تعرض للقمع لكى يسكت، وهو ما يقوض اى دعاوى يرفع لواءها سواء الامريكيون أو من يسيرون فى ركابهم بشأن ان الولايات المتحدة دولة حريات وما شابه، وقد حاول ترامب نفسه تعزيز هذه النظرة من خلال اشارته فى رد فعله على ما حدث بأنه لا يمكن أن يحدث إلا فى دول العالم الثالث المنهارة، وهو ما يعنى سواء بمنظور البعض المشار إليه أو بمنظور ترامب أن امريكا وهذا العالم الثالث فى «الهم سواء».

الرؤية الثانية وهى على النقيض تماما من الاولى وتملك قدرا من الوجاهة، تقدم منظورا بالغ الاختلاف وتصل إلى نتائج مغايرة تماما. تتمثل هذه الرؤية فى ان ذلك حدث لا يمكن ان تراه سوى فى الولايات المتحدة، بما يعنى ان أمريكا ليست فقط بلد الحريات وإنما هى استثناء لا نظير له، الحريات فيها تحلق فى السماء والعدالة فيها ناجزة ولو كانت ضد الرئيس. وفى هذا راح البعض يتساءل فى أى دولة يمكن ان يتعرض الرئيس لمثل هذا الموقف كأقل من مواطن عادي؟ ولسان حال هذا البعض هو النفي!

بالطبع امريكا ليست كوكبا خارج الكوكب، والعدالة فيها ليست إلهية، والفساد موجود وإن كان ليس للركب، والصورة التى يتم تصديرها أو رسمها لنا وتجعل الكثيرين منا يتوقون لو تمكنوا من ان يعيشوا فى جنبات العم سام غير صحيحة. لكن من غير الصحيح أيضا مقارنتها على صعيد الحريات بمثيلتها من دول العالم الثالث، وإدراج حدث مداهمة منزل ترامب فى اطار هذه المقارنة. النكاية واردة، والمكايدة السياسية اكثر ورودا ولكن الاساس للعمل الذى قام به مكتب التحقيقات الفيدرالى الامريكى موجود، لجهة مصير وثائق تتعلق بسجلات الأرشيف الوطنى يبدو أن ترامب احتفظ ببعضها أو جانب منها بما يخالف القانون والذى يطالب الرؤساء الامريكيين نقل جميع خطاباتهم ووثائق العمل ورسائل البريد الإلكترونى إلى الارشيف الوطنى.

لسنا فى موضع التأكيد على قانونية موقف ترامب من عدم قانونيته، وإن كنا نرجح فى حدود ما تم الكشف عنه حتى الآن، وفى حدود طبيعة النظام الأمريكى قانونية الخطوة التى تم بمقتضاها مداهمة منزل ترامب، ما يضيف لهذا النظام ولا ينتقص منه بغض النظر بالطبع عن اى نقائص اخرى يمكن لنا ان نفيض فى ذكرها حتى الصباح!

[email protected]