رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

 

فى كتابه «الإصلاح - كيف تنجو الأمم وتزدهر فى عالم يتداعى» للصحفى الكندى الشهير جوناثان تيبيرمان الذى عمل كبير محررى مجلة فورين بوليسى، وقبلها نائبا لرئيس تحرير النيوزويك الأمريكية – يحدد تسع مشكلات تواجه الدول المتعثرة فى تجاربها وهى (اللامساوة – الهجرة – التطرف الاحتراب الأهلى – الفساد – فقر الموارد – الطاقة – الدخل المحدود – العراقيل السياسية). المهم فى كتاب جوناثان أنه يتناول تجارب مجموعة من الدول (تتشابه ظروفها مع مصر) استطاعت التغلب على نصيبها من هذا المشكلات. أولى وأكبر مشكلة حددها الكاتب هى «اللامساواة» والتى يقصد بها غياب العدالة وتكافؤ الفرص، يرى أن اللامساواة تعزز الفساد وتديم الفقر وتثير الاضطرابات الشعبية، وتزيد من الكراهية والاحتقان الاجتماعى، وتعمق حالة اليأس. نتوقف مع الكاتب عند تجربة البرازيل ابتداء من عام 2002، وهو العام الذى تولى فيه الزعيم العمالى ايناسيا لولا دى سيلفا رئاسة البلاد التى كانت غارقة فى الديون وعلى وشك الإفلاس الكامل... عندما سئل دى سيلفا، كيف حركت المياه الراكدة فى البرازيل وانتشلت 40% من البرازيليين من تحت خط الفقر، قال: إن معظم الخبراء ليس لديهم خبرة بما يمر به الفقراء كل يوم، فهم لم يضطروا قط للذهاب إلى العمل من دون إفطار، ولم يعيشوا قط فى منزل غمرته المياه، أو اضطروا للانتظار ساعات فى محطة للحافلات – واضاف – بالنسبة للخبراء فإن أى مشكلة اجتماعية مثل اللامساواة هى مجرد أرقام فقط، لكننى أخذت المشكلة الاجتماعية وجعلتها مشكلة سياسية وعملية، ثم حاولت حلها.

كلام لولا دى سيلفا الذى يبدو بسيطا، هو ليس كذلك، وانما ما يعنيه يعتبر بمثابة فكر اقتصادى جديد وجرىء، لأن ما يحدث اليوم فى الكثير من بلدان العالم -ومصر من بينها- أنه وفقا للأرقام أحيانا فهناك نمو يحدث، ولكن لم يسأل أحد نفسه، فى أى قطاعات يحدث هذا النمو، ولمن تذهب عوائده؟ لماذا تزداد الفجوة بين من تتضخم ثرواتهم ومن يتضخم فقرهم، رغم أن الطرفين فى بلد واحد يشهد معدلات تنمية جيدة؟.. هذا ما وعى له لولا دى سيلفا من البداية.

ومن مشكلة الفقر وكيف تعامل معها لولا دى سيلفا فى البرازيل، ننتقل إلى شرق أفريقيا، حيث «رواندا» البلد الأفريقى الذى يحكمه بانتخابات حرة بول كاجامى منذ عام 2003.. رواندا عصفت بها الحرب الأهلية من 1990 وحتى 1995 بين أكبر عرقين بالبلاد – الهوتو والتوتسى – وبين ابريل ويوليو 1994 قتلت ميليشيات الهوتو اكثر من مليون من التوتسى – أى ثلاثة ارباع التوتسى تقريبا، إلى حد وصف البنك الدولى آنذاك لرواندا بأنها «أمة تموت». كان الرئيس الحالى بول كاجامى وقت الحرب قائدا للجبهة الوطنية الرواندية، وكان للجبهة جيش من المتمردين الذين يقاتلون الحكومة التى كانت تمثل « الهوتو» والمدعومة من فرنسا. انتصر التوتسى فى النهاية بقيادة جبهة بول كاجامى، وبعد سبع سنوات أصبح كاجامى رئيسا لرواندا ابتداء من 2003 وكان عمره 42 عاما.. تولى الحكم ولم يكن فى معظم مناطق رواندا لا ماء ولا كهرباء ولا إدارات حكومية.. لقد نهب كل شيء، ووسط مذابح الحرب الأهلية نجا 50 قاضيا من بين 800 قاضٍ بالبلاد.

واجه بول كاجامى رئيس رواندا بمجرد توليه السلطة المعضلة التى بدت مستحيلة، وهى كيف يتم دمج الروانديين فى نسيج اجتماعى واحد؟ كيف تلتئم جراح مازالت تنزف دما وكراهية وعصبية؟ أكبر مشكلة واجهت بول كاجامى أن عدد من يجب محاسبتهم أمام القانون على جرائم قتل وعن مذابح جماعية كان يتعدى المليون شخص، وأن أماكن الاحتجاز لا تتسع لأكثر من 15 ألف شخص. المهم أن الرجل سار فى طريق مختلف تماما عما توقعه أعداؤه وأصدقاؤه ايضا، عندما اتجه لنوع من العدالة الانتقالية التى افرج بموجبها عن معظم الموقوفين بسبب مذابح الحرب الأهلية، ومنع بالقانون اى اشارة للثقافة القبلية بكل محطات الراديو والتليفزيون، ومناهج التعليم، وحتى علم البلاد تغير ليخلو من الرموز العرقية والقبلية.. اندفع بالانفاق الكبير على التعليم والصحة ومحاربة الفساد وتعميق مبادئ الشفافية، وقد أصبحت رواندا التى وصفها البنك الدولى بأنها أمة تموت واحدة من أروع تجارب النجاح لدولة غير ساحلية بشرق أفريقيا.. للنجاح طرق كثيرة يسلكها المسلحون بالخيال والرشد والثقة بالناس من حولهم.