رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

لا شك فى أن علاقة الفلسفة بالأيديولوجيا علاقة شديدة التعقيد والتشابك خاصة إذا تذكرنا أن المعرفة نفسها سلطة، ولذلك فكثيرًا ما يُساء فهم الفلاسفة عندما يتم تفسير وقراءة أعمالهم من خلال الأيديولوجيات السياسية، ولهذا السبب ذهب بعض الباحثين إلى أن فلسفات هيجل ونيتشه وهيدجر قد تضمنت الكثير من مبادئ وأفكار الفاشية. والحق أن هذه الأحكام وغيرها يحتاج إلى المزيد من الدراسات المتأنية والمدققة، لأنها كثيرًا ما تستند إلى الانتقائية فى اختيار النصوص، وتتسم بالتسرع والمبالغة، بل وتكون ظالمة فى معظم الأحيان، خاصة إذا تذكرنا أن الأفكار الفلسفية غالبًا ما تتحرف عن مقاصدها عند التطبيق؛ فقد يقصد الفيلسوف شيئًا غير الذى يريده السياسى أو رجل الحكم، فلا بد من أن نعترف بأن هناك مسافات كبيرة تفصل بين الفكر والواقع، ولذلك فإن الزعم بأن الفكرة الفلسفية يمكن أن تتحول مباشرة إلى فعل على أرض الواقع أمر وهمى تماماً، لأن الواقع له قوانينه الخاصة التى كثيرًا ما تتعارض مع قوانين الفكر المثالية المجاوزة للواقع القائم.

وعلى هذا النحو، فإن التعرض لتاريخ علاقة الفلسفة بالأيديولوجيا ينبغى ألا يتناول المسألة من جانبها الأحادى، أعنى أن الفلسفة ليست فقط صراعًا مع السلطة ورفضًا لها، وهى بالمثل ليست مجرد صدى للسلطات القائمة، فمن الخطأ أن نتصور أن الفلسفة فى العصور الوسطى كانت كلها خاضعة للدين، ومن السذاجة أيضًا أن نتصور أن الفلسفة كانت فى عصرى النهضة والتنوير مناهضة تمامًا للسلطات القائمة.

لكن الأمر الذى لا يجب أن يغيب عن تصور أى باحث أن الفيلسوف لابد من أن يصطنع مسافة بينه وبين الواقع القائم ولا يجب أن يستسلم لإغواء التصالح مع السلطات القائمة، أو التطابق مع التقاليد والقيم السائدة. ولابد من أن يعكس فى أفكاره وتأملاته الفلسفية قيمًا ومبادئ أخرى جديدة.

إن الفلسفة تموت إذا استسلمت تمامًا لما هو قائم، وتحيا عندما تمارس دور العناد والتحدى والمقاومة. والحق أن قراءة تاريخ الفلسفة يبرهن لنا على أن الفلسفة تتمرد دائمًا على واقعها، وترفض الاستسلام لقواعد اللعبة، لعبة القهر والتسلط، الفلسفة ترفع دائمًا راية العصيان فى أزمنة الخضوع والإذعان، ولابد وأن نتذكر ونذكر بهذه الحقائق حتى نضع الفلسفة فى مكانها الصحيح:-

أولاً: إن الفلسفة تنحاز دائمًا إلى الإنسان وليس إلى طبقة بعينها، وحتى الفلسفة الماركسية نفسها – كما وضعها ماركس – لم يكن هدفها إطلاقًا هو انتصار طبقة على أخرى بقدر ما كان هدفها التمهيد لنهاية الطبقات. ولذلك نجد أن الهدف النهائى عند كارل ماركس هو أن تقوم البروليتاريا بنفى النظام الطبقى ونفى نفسها كطبقة، نعم إن ذلك ظل إلى الآن مجرد حلم يوتوبى، لكنه حلم مشروع والفلسفة دائمًا تزودنا بهذا المستودع الكبير من الأحلام والرؤى اليوتوبية، وهى رؤى مشروعة، ومطلوبة لتطوير حركة التاريخ ولتلبية الحاجة الإنسانية التى لا تنتهى للبحث عن المجتمع الفاضل.

ثانياً: الفلسفة تقوم على الحوار والحرية، وهى بدون الحرية كلمة لا معنى لها، لأن كلمة فلسفة – أو محبة الحكمة – معناها محبة الحقيقة والسعى الدؤوب إليها. والبحث عن الحقيقة رسالة سامية لا يمارسها سوى مفكر حر يؤمن بحرية الفكر وبشرعية الرأى الآخر فلم نعرف فى تاريخ الفلسفة فيلسوفًا حاول أن يجبر الآخرين على اعتناق رأيه بالجنازير أو السيوف أو الرصاص فالفلسفة تبدأ من الحرية وتنتهى إلى الحرية.

ثالثاً: الفلسفة تؤمن بالإنسان كإنسان: بعقله، بغرائزه، بعواطفه، بروحه، بجسده. وعلى ذلك نرى أنه من الخطأ أن نعتبر بعض الفلسفات خاصة اللاعقلية منها (كالوجودية مثلاً)؛ أنها ضد الإنسان فكل اتجاه من الاتجاهات الفلسفية سواء كان اتجاهًا عقليًا أو رومانتيكيًا يؤمن بالإنسان على طريقته الخاصة.

رابعاً: إن علاقة الفلسفة بالأيديولوجية والأنظمة السياسية علاقة ملتبسة وغامضة، فهى قطعًا تتأثر بها لكنها تتجاوزها وتنفيها فى أنٍ واحد، لذلك فإن على الفلسفة اليوم أكثر من أى وقت مضى ألا تقف صامتة أمام ما يتعرض له إنسان اليوم – خاصة فى دول العالم التعس (العالم النامى)–من قهر وتشويه وذل ومهانة.

إن عليها أن تستعيد رسالتها العظيمة التى طالما لعبتها فى عصور التاريخ، ألا وهى التذكير الدائم بالإنسان وتقديس واحترام كل ما هو إنسانى.