رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

 

يرى المفكر الألمانى فريدريك نيتشه أن الموت نوعان « طبيعى» وهو هذه الظاهرة الطبيعية التى لامفر ولاحيلة للمرء فى دفعها، وهناك الموت « الارادى » وهو الانتحار. وبنظر نيتشه ان الموت الطبيعى هو موت الجبناء، وأنه من الكرم والأشجع للانسان أن يموت حرا مدركا – موتا لاصدفة فيه ولامفاجأة.. المنتحرون يلبون فى إخلاص، ما دعا إليه نيتشه بتدمير ذواتهم فى قسوة وعنف بالغين.

ما تقدم جزء من مقدمة رسالة دكتوراه فى علم النفس، والتى حصل عليها الباحث الدكتور مكرم شاكر اسكندر عام 1985 من كلية الآداب – جامعة عين شمس. وتحت عنوان « أدباء منتحرون»صدر للكاتب مؤلف تحت عنوان«أدباء منتحرون ». يستعرض الكتاب بشكل معمق السلوك التدميرى الذى يقدم عليه المنتحر مدمرا ذاته – ويتناول المؤلف اثنين من أشهر وأهم المبدعين من الأدباء الذين أنهوا حياتهم بالانتحار – الانجليزية فيرجينيا وولف، والأمريكى أرنست همنجواى الحائز على جائزة نوبل فى الآداب.

 شدنى إلى هذا الموضوع تزايد معدلات الانتحار فى السنوات الأخيرة بمصر والعالم – كذلك حوادث القتل الأشبه بالانتحار خاصة التى يقف خلفها دافع « الثأر العاطفى » سواء انتقاما لحب ضائع، أو لشرف مهدور، هو بالأساس حالة تحيط بها من الدوافع العاطفية والنفسية أكثر مما يحيط بها من مفاهيم الانهيار الأخلاقى. من النتائج اللافتة لبحث الدكتور مكرم شاكر أن هناك خلافا بين الذكور والإناث فى استخدام الوسيلة التى يحاولون بها الانتحار، حيث يلجأ الذكور إلى استخدام وسائل الشنق أو الخنق والأسلحة النارية، فى حين تقتصر وسائل انتحار الإناث على الغرق والتسمم والعقاقير.

بتأمل الكثير من حوادث الانتحار والقتل فى السنوات الأخيرة، نجد ان هناك جائحة نفسية تجتاح المجتمعات الإنسانية، ومنها المجتمع المصرى. واذا كانت الأوبئة التى تصيب الانسان عضويا لها دواؤها وتطعيماتها، فإن الجائحة النفسية لاتعالج فقط داخل معامل البحث، وانما تحتاج لجهد ثقافى كبير يقلل من حدة حالة الانهيار النفسى الاجتماعى التى تحاصر المجتمعات البشرية، إلى حد التهديد الوجودى لها. الحروب المنتشرة فى أماكن كثيرة بالعالم، هى فى حقيقتها حالات انتحار جماعى، وقتل إرادى.

أمام صدمات الأحداث الأخيرة فى مصر من حالات انتحار، وقتل، ربط كثيرون بين تردى الإنتاج الفنى وبين دوافع هذه الأحداث الدامية والمؤلمة. الحقيقة؛ هذا جزء من الدوافع المسببة للجريمة بشكل عام، ومنها حالات الانتحار والقتل، ولكنها ليست كل الأسباب. ويؤكد علم النفس على العلاقة الوثيقة بين العوامل النفسية العميقة وبين الابداع الفنى، وأن الفن الرفيع الراقى يمثل تعويضا عن الرغبات الغريزية التى ظلت بلا ارتواء بسبب الدين والعرف والتنكر لقيمة العقل وسمو الشعور.

أتمنى أن تطلق الدولة المصرية مشروعا قوميا لانقاذ الخيال المصرى.. لانقاذ مساحات الجمال التى تصحرت داخلنا – لمواجهة خفافيش الظلام التى تقتل النفوس حية – لتنظيف الفكر والفن من الخلايا السرطانية التى تضرب المجتمع بقوة منذ خمسة عقود مضت.. المأساة ليست فى حالة انتحار او أكثر، أو جريمة قتل أو أكثر – المأساة أن ينتحر شارع الحياة.