رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

 

الطعنة التى أنهت حياة فتاة جامعة المنصورة، لم تكن فقط بيد الشاب الذى استخدم السكين، وإنما كانت بيد المجتمع كله الذى تنزف قيمه وأخلاقه وعقله ومبادئه منذ عقود. الجريمة ستظل موجودة وببشاعتها فى كل المجتمعات البشرية، ولكن عندما تصبح الجريمة نمطا حياتيا يوميا، هنا لابد أن نتوقف ونسأل أنفسنا، ماذا حدث لنا، ولمَ توحش فصيل منا بهذا الشكل! اللافت فى حادث المنصورة أن الجانى والضحية من طلاب الجامعة، وأن القتل المعبر عن أعلى درجات الكراهية والشر كان الدافع وراءه قصة حب فاشلة، وأن تنفيذ الجريمة كان على باب الجامعة، وفى وضح النهار وأمام أعين كل الناس.

من السطحية أن ننظر لهذا الحادث بمعزل عن متغيرات كثيرة، ومن السطحية أن نعزل هذا الحادث عن سياق عام لثقافة عنف آخذة فى التمكن من نفوس المصريين فى العقود الخمسة الماضية تحديدا.. الحقيقة، إننى أميل إلى ما يعرف بالتفسير المادى للتاريخ، وأربط كثيرا بين ما حدث من هزات للمجتمع المصرى وبين تحولات عصفت به، وهزته من الداخل بشكل مرعب.. بداية من يونيو 1967 أستطيع القول إن نكسة الخامس من حزيران كانت طعنة تاريخية فى قلب حالة من الرومانسية الوطنية، عاشها المصريون من عرابى 1881 إلى عبد الناصر 1970، مرورا بمحطة عشق وطنى كبيرة عنوانها سعد زغلول وثورة 1919. وبعد أقل من عشر سنوات من نكسة حزيران التى دهست حالة «الرومانسية الوطنية»، هبت على مصر عواصف ما يعرف بـ«الانفتاح الاقتصادى»، وأتصور أن ثقافة وقيم اخطف واجرى، والراجل بجيبه، ومعاك كام تسوى كام، والتجارة شطارة،  كل هذه المفاهيم الانفتاحية وغيرها حرقت ما تبقى من أشجار الرومانسية والتسامح وإنسانية الانسان، وهيأت المجتمع للتحول من حالة «التشارك»  إلى حالة «التعارك». واستمرت حالة التصحر النفسى والعاطفى والانسانى تضرب قلب وأطراف المجتمع، حتى كانت ثورة 25 يناير 2011. التقى ملايين المصريين بالميادين،  وبين الغناء والصراخ والدموع ارتسمت لوحة جديده لمجتمع عائد من العالم الآخر على التو مطالبا بإقالة رئيسه. وبعد أكثر من عشر سنوات على ثورة الميادين اتضح لى -وهذا رأى شخصى- أن ما حدث بين 25 يناير 2011 و 30 يونيو 2013 كان خليطا من الأحلام والكوابيس التى هاجمت مجتمعا يعانى من حالة «هزال» تاريخى، وحين تحرك واستجاب انكفأ على وجهه متأثرا بتجلط حاد فى شرايين عقله ونفسه. ويصفع حادث فتاة المنصورة هذا المجتمع على وجهه، وتبدو ردة الفعل كما لوكان هذا المجتمع جميلا وواعيا ثم صدمته جريمة مروعة .. الحقيقة أننا كمجتمع قبلنا خلال أكثر من نصف قرن على الأقل، ومن ليلة نكسة يونيو وما تبعها فى منتصف السبعينيات من هجمة انفتاحية أن ندفن عقولنا تحت أنفاض هزائمنا، ونسلم مقاديرنا لجيش جديد مسلح بما هو أخطر من الدبابات والطائرات -جيش مدجن بسلاح التضليل وبضاعة الوهم ومخدرات التخلف- جيش مازال متمترسا بقواعده الفضائية والفيسبوكية، موجها صواريخه العابرة للعقول  مقنعا الناس بأن المرأة عتبة الخطايا.

أحد سدنة الفضائيات علق على حادث فتاة الجامعة بدعوة كل امرأة فى مصر ان تخرج من بيتها «قفة»، لأن الذئاب تنتظرها بالشارع .. هذا الشيخ المبروك  -بنظر البعض- يدعو لتحويل 50 مليون مواطنة الى قطيع من القفف.. الدولة لا تتوقف عن خطاب الفخر بالمرأة وشيخنا المبروك يراها قطعة لحم ومجرد «قفة»، وبين خطاب الدولة وخطاب الشيخ ذبحت فتاة الجامعة.