رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين



إعلان بطل الاسكواش العالمى محمد الشوربجى قبل أيام عن اللعب تحت العلم الانجليزى، أثار مشاعر وردود فعل اختلط فيها ما هو وطنى بما هو موضوعى، بما هو عصبى صارخ. واذا كنا كثيرا ما نبرر بعض التوجهات الاقتصادية والسياسية بالواقعية، فمن المهم أن نتفق أولا على أن الواقعية أن نفهم ونرى العالم كما هو، وليس كما نتمنى أن يكون. بعد التعريف الموجز للواقعية، دعونا نتفق أن قرار محمد الشوربجى هو قرار شخصى يتعلق بحقه فى تحديد مستقبله، وانتماءاته. ولو فكرنا قليلا بهدوء سنجد أنه لا فارق بين لاعب مصرى يحمل الجنسية الانجليزية، وقرر بإرادته الحرة أن يلعب تحت علم بلد يحمل جنسيته، وبين مئات من العلماء المصريين وآلاف من المتميزين فى كل المجالات يعملون من عشرات السنين فى دول يحملون جنسيتها، وقرروا البقاء فيها حتى الممات جيلا بعد جيل من بدايات القرن الماضى وحتى اليوم..
لاعب الاسكواش محمد الشوربجى عنوان صغير جدا لقضية أكبر بكثير مما نتخيل. اذا كنا سننظر لمسألة الانتماء الوطنى والفخر بالانتماء للأوطان والوقوف تحت رايتها فى كل المحافل الدولية، فعلينا أن نتفق بأن الانتماء ليس رسالة هبطت من السماء وعلينا الرضوخ لتعاليمها والتهليل لنبيها. الانتماء الوطنى من حيث النوع والدرجة يحتاج لظروف ومقدمات كثيرة تمد آلاف الجسور بين الانسان وأرضه وبلده، والعلم المرفرف بفضاء التاريخ والجغرافيا.. الانتماء الوطنى الحقيقى يعنى أننى افخر بالعيش فى بلد أمنحه حياتى ودمى راضيا، لأننى على أرضه وبين ضفافه أعيش انسانا حرا مكرما متساويا فى كل الحقوق والواجبات مع الجميع.. الانتماء الحقيقى لكى يكون راسخا رسوخ الأهرام أمام عواصف الزمن يحتاج لأنهار ثقافية غير ملوثة بالسطحية تضيء العقل وتسقى القلب أمانا وامتنانا.
ليست القضية إذًا أن محمد الشوربجى قرر اللعب تحت العلم الانجليزى، ولكن الأهم من ذلك أن نسأل انفسنا -كم شوربجى- فى مجالات العلوم والآداب والفنون والرياضة يعيشون بيننا، يستبد بهم القلق ومشاعر الاحباط، والتساؤل الدائم عن جدوى حب يحاصره النسيان والاهمال والخوف من البوح.
الواقع الآن أن بريطانيا بها محمدان.. محمد صلاح أحد ابرز لاعبى العالم فى كرة القدم، ومحمد الشوربجى أحد أهم خمسة لاعبين اسكواش فى العالم.. محمد صلاح واحد من ولاد حارتنا، وربما نكون قد قابلناه وقابلنا مثله مرات ومرات فى حارات جدنا الكبير والرائع نجيب محفوظ.. صلاح من مواليد شارع الغلابة، ولكنه ممتلئ بروح المقاومة -وهذا اختياره وربما جزء من عبقريته- وقد يكون أكثر من حير الانجليز، ليس فقط لموهبته وجنون أهدافه، ولكن ايضا بثباته واعتداله واستقامة شخصيته.. محمد الشوربجى أيضا ليس بعيدا عن حارات نجيب محفوظ، لكن -وهذا حقه- لم يتحمل بؤس الحارة وفتواتها، كما تحمل مو صلاح، فهجرها إلى حيث يريد العيش.. الحكاية إذًا لم ولن تكون يوما فى الشوربجى أوغيره من المهاجرين إلى خلاء الفرص الجديدة.. الحكاية ستظل فيما نحن عليه داخل حارتنا الكبيرة.. فى شيخ الحارة وكبار الحارة وقضاة الحارة، وشعراء الحارة.. وسيظل المهاجرون داخل أنفسهم وأوطانهم بحاجة لمن يعيدهم لمسرح الحياة ولمجرى نهر تاريخ هذا البلد الكبير.. إنها مهمة قومية ومشروع قومى حقيقى أتمنى أن يبدأ العمل به من الآن.