رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

على فكرة

منحنى الكاتب والمترجم «مارك مجدى» الثقة فى أن جيلا جديدا من الباحثين الشباب ينهض فى المجال العام، متسلحا بالمعرفة المستمدة من القراءة والتحصيل العلمى والعكوف على البحث عن المعلومات فى كافة مظانها، بعدما ساد الظن أن ثرثرة ثقافة وسائل التواصل الاجتماعى السمعية والانتقائية قد قضت على فضائل القراءة العميقة. وقبل أيام تلقيت بفرح غامر عزز لدى تلك الثقة، كتابه الصادر عن دار الأدهم، تحت عنوان «أزمة الليبرالية فى مصر»، وهو جزء من مشروع بحثى عن جيل السبعينيات أعده مركز البحوث العربية والأفريقية  وأشرف على إنجازه الراحل الكبير عبدالغفار شكر. 

اعتمد «مارك مجدى» فى كتابه على تقسيم علمى منطقى، انطوى على جزء نظرى تتبع فيه النشأة التاريخية للفكر الليبرالى الغربى، ومدارسه التى تلاقت وتكاملت وتفارقت فى نسختها الأخيرة النيوليبرالية، والتى وصفها عالم الاقتصاد رمزى زكى بالليبرالية المتوحشة. كما تابع صعود البورجوازية المصرية وتطور فكرها الليبرالى منذ محمد على، حتى كمونها مع مقدم ثورة 23 يوليو. وفى فصله الأخير قدم نموذجا تطبيقيا، بحوارات مع ممثلين للفكر الليبرالى ممن ينتمون إلى جيل السبعينيات، للبحث عن إجابة عن الأسباب الموضوعية التى قادت إلى غيبة تيار ليبرالى مصرى واضح القسمات ومحدد الملامح. 

المعيار الذى اعتمده المؤلف للحضور والغياب هو اللبيرالية بمفهومها الغربى. وهنا فرق الكاتب بين نوعين «الليبرالية الكلاسيكية» كحركة اجتماعية انطوت كما يقول على روح ثورية. فقد نشأت مع الثورة الصناعية والعلمية ومنجزات العلوم الطبيعية، التى أدت إلى التحرر من قيم بدائية وإقطاعية استبدادية. وفى طريق نشأتها تمردت على سلطة الكنيسة، واتسمت نظرتها للقضايا السياسية والاجتماعية بالعلمانية. وبدأت وهى تطرح شعار «دعه يعمل دعه يمر»، وتطورت لتقنين الحق فى التنظيم للدفاع عن العمل وتقديس الحريات الفردية.

 وفى سياق تلك المفاهيم يظل للدولة دور فى التنظيم القانونى الذى يبيح الممارسة المتوازنة لتلك الحقوق، بما يمنع التصادم بينها، ويحفظ مصالح مواطنيها، ويوزيع السلطات فى المجتمع. وتبنت بجانب ذلك المذهب القائل إن النزاع على السلطة فى الحياة السياسية، هو حقيقة راسخة. 

لم يتوقف مارك طويلا فى النموذج الليبرالى الكلاسيكى أمام الإرث الاستعمارى العتيد، الذى رآكم فيه نموذجه الرأسمالى للوصول إلى المفهوم الاجتماعى لدولة الرفاه: من شن الحروب لنهب ثروات المستعمرات وشعوبها، وسياسات التهجير القسرية والضم والمتاجرة فى الأقنان والعبيد والتمييز العنصرى، لتنقسم شعوب العالم إلى فقراء وأثرياء، وتختل فيه موازين القوى بين من يملكون ومن لا يملكون. 

أما النموذج الثانى فهو «النيوليبرالية»، وهو نموذج محافظ، يرفض أى دور للدولة فى تنظيم الاقتصاد، ويمجد نزعات تقليدية فى الحياة الاجتماعية، ويتبنى مفاهيم فاشية ونازية على المستويين الدينى والسياسى، وهو يصعد الآن عبر آليات ديمقراطية، إلى سدة الحكم فى عدد من الدول الغربية التى تنتهج الفكر الليبرالى، معززا بذلك فرص استمرار ما سمى بالحرب العالمية ضد الإرهاب التى تختلط فيها المبررات وتغمض الدوافع. 

يطرح الكتاب  بعض الأسئلة غير تلك التى سعى للإجابة عنها. فإذا ما اتفقنا على أن النموذج الليبرالى الغربى هو حركة إصلاحية تجريبية تلقى الآن مراجعة وتحديات عن مدى قدرتها على تلبية مصالح ورضا شعوبها، فما مدى أهليتها لإنجاح نموذجها  فى بلادنا؟ وألم يؤد القياس عليه إلى أخطاء فى التطبيق والفهم، لا سيما والبورجوازية المصرية نشأت متأخرة نحو قرنين عن مثيلتها الغربية، وتشكلت فى مناخ صراع مع المعسكر العالمى لا فى حمايته، وبعد أن تحولت البورجوازية الغربية إلى قوى استعمارية محافظة ومعادية للتحرر من قبضتها الاستغلالية؟ وألم يؤد ذلك إلى عدم تبلور واضح لكل القوى الفكرية المصرية ؟