رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حتى نلتقى

 

 

 

(أوكرانيا... كييف... ماريوبول... إقليم دونباس... البحر الأسود... بحر آزوف) وغيرها من المناطق والمدن، هى حديث الساعة فى العالم كله منذ 24 فبراير الماضى وحتى اللحظة، بسبب الحرب بين روسيا وأوكرانيا. ومع ذلك أكاد أزعم أننا فى مصر لا نكاد نعرف عنها شيئا قبل هذه الحرب، لا موقعها الجغرافى ولا أهميتها التاريخية، ومن ثم لا نستطيع فهم أسباب هذه الحرب ومصيرها بعد أن احتشدت دول الغرب دعمًا لأوكرانيا.

هذا الغياب شبه التام للمعارف الجغرافية لدى الكثير من الناس واحد من ضمن مثالبنا الكثيرة، على الرغم من أنه بدون محصول جغرافى سخى لا يمكن فهم السياسة وألاعيبها، ولا يمكن أيضا استيعاب قعقعة السلاح المفاجئة أو تفسير أنهار الدم المتدفقة.

للأسف، لم يعمل أحد بنصيحة تروتسكى الثمينة، لا هنا ولا هناك، فلو كان الناس استمعوا إلى هذه النصيحة، لكنا تعاملنا مع هذه الحرب وملابساتها بوعى أكثر، فمن هو تروتسكى؟ وما هى نصيحته؟

أما ليون تروتسكى، فهو مفكر وثائر روسى ولد سنة 1879 وكان القائد الثانى لثورة 1917 بعد لينين، وأسس الجيش الأحمر، ثم بعد موت لينين 1924 عزله ستالين من منصبه ونفاه، إلى أن أرسل من يقتله فى المكسيك عام 1940. ترك تروتسكى العديد من الكتب المهمة فى السياسة والفكر والأدب، كما دوّن سيرته الذاتية فى جزأين بعنوان (حياتي)، وأما نصيحته المدهشة فتتمثل فى ضرورة وضع خرائط ضخمة للعالم كله فى الميادين العامة، ليفهم الناس أسباب الصراع المحتدم الذى ينشأ بين الدول، لأن أى صراع يدور دومًا حول المصالح الاقتصادية فى المقام الأول. هذه المصالح تتجلى فى الأرض بمناخها وتضاريسها ومواردها، وفى المياه ببحورها وأنهارها وجزرها، ثم فى البشر وكثافتهم السكانية، لكل ذلك ينبغى أن يلم المرء بالخريطة قبل أن يتحدث فى السياسة، وإلا كان من الغافلين.

أطلق تروتسكى نصيحته الغالية هذه قبل قرن من الزمان، فلم ينصت له أحد إلا قليلا، وها هى الحروب تستعر فى الشرق والغرب، وفى الشمال والجنوب، والكثير من الناس يقف حيالها حائرًا مترددًا لا يجد لها تفسيرًا.

أما خريطة أبي، فتعود إلى مطلع خمسينيات القرن الماضي، حين علق والدى المرحوم عبدالفتاح عراق (1924/ 1995) خريطة للعالم العربى على جدار الصالة فى شقتنا البسيطة بشبرا البلد. ومن أسف لم أر هذه الخريطة، ولا أذكرها على الإطلاق، فقد انتقلنا من هذه الشقة وعمرى أربع سنوات فقط، لكن وفقا لما ذكره لى شقيقى الأكبر المهندس فكري، رعى الله أيامه ولياليه، فإنه يتذكرها جيدًا، فهو من مواليد 1947، حيث أكد لى أن مساحة الخريطة كانت فى حدود 100 سم فى 70 سم، وأنها ظلت معلقة سنوات طويلة حتى هجرنا تلك الشقة، وأنه يتذكر والدنا جيدًا وهو يشرح تفاصيلها له ولشقيقنا الأكبر المرحوم إبراهيم (1945/ 2011)، الذى افتتن بالجغرافيا أيما افتتان، وهو الذى علمنا جميعًا، نحن أشقاءه الصغار، أصول فهم الجغرافيا وعلاقتها الوثيقة بالتاريخ والسياسة والاقتصاد وحركة السكان، كما أوضح لنا إبراهيم، الدور الحاسم للجغرافيا فى تأجيج الصراعات وإشعال الحروب على مر التاريخ.

إن ضرورة التزود بالمعارف الجغرافية أمر حتمي، فإذا كانت مصر قد أنجبت سليمان حزين وجمال حمدان فى القرن الماضي، فمعنا الدكتور عاطف معتمد فى القرن الحالي، وهو أحد نوابغ مصر فى الجغرافيا، كما أنه يملك مهارات لغوية عظيمة جعلته يهدينا كل يوم «بوستات» مفيدة وممتعة فى فيسبوك عن الجغرافيا وسحرها ومكائدها وألاعيبها.

أجل... الجغرافيا هى المفتاح السحرى لفهم السياسة والتاريخ والاقتصاد، لذا كلما تابعت وقائع أى حرب تذكرت تروتسكي، وترحمت على أبي!