رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

 فى اتفاقية «بريتون وودز» وهو الاسم الشائع لمؤتمر النقد الدولى، الذى انعقد فى يوليو 1944 بالولايات المتحدة الأمريكية، وافقت البلدان المشاركة بالمحافظة على قيمة عملتها، فى نطاق هامش ضيق مقابل الدولار، وسعر مماثل من الذهب عند الحاجة، ومنذ ذلك التاريخ أصبح الدولار عملة مرجعية فى الاقتصاد العالمى، خاصة بعد خروج الولايات المتحدة من الحرب العالمية الثانية منتصرة مهيمنة على العالم كقوة عظمى.

 تلك الأوراق الخضراء التى حلت قيمتها محل المعيار الذهبى للعملات، جعلت رخاء أمريكا يعتمد بدرجة كبيرة على آلة الطباعة، وليس على الذهب أو الإنتاج الوطنى، وقد شرح وزير مالية فرنسا عام 1960 للرئيس شارل دى جول هذه الحالة بالمثال التالى :

 تخيل أنه يجرى بيع لوحة فى مزاد، وتدور معركة من أجل الحصول عليها بين ألمانى، وعربى، وروسى واليانكى جون – «اليانكي» مصطلح يشير إلي  سكان الولايات المتحدة الأمريكية–، كل منهم يعرض مقابل هذه اللوحة بضاعته، العربى يقدم النفط، والألمانى يقدم التكنولوجيا، والروسى يقدم الذهب، أما «اليانكي» فقد عرض مقابل اللوحة سعرًا مضاعفًا، فأخرج من جيبه رزمة نقود من فئة المائة دولار، ثم حمل اللوحة وغادر، دفع «اليانكى» مائة ورقة من فئة المائة دولار، وفى حقيقة الأمر، لم يدفع «جون» سوى ثلاثة دولارات فقط؛ لأن ثمن الورق المستهلك لطباعة ورقة نقدية من فئة 100 دولار تساوى 3 سنتات.

بعدها قام الرئيس «ديجول» بجمع كل ما كان لدى فرنسا من دولارات بقيمة ٧٥٠ مليون دولار، وفى أثناء زيارته الرسمية إلى الولايات المتحدة، قام بمبادلة الدولارات الورقية بالذهب، وعاد إلى وطنه حاملًا 66.5 طن من الذهب.

ــ فى 15 أغسطس 1971 أعلن الرئيس «نيكسون» أن أمريكا قررت التوقف عن مبادلة الدولار بالذهب، وهكذا انهار المعيار الذهبى، ثم فرضت أمريكا على العالم نظامًا اقتصاديًا جديدًا،وتم إنشاء نظام النقد «الجامايكى» خلال الأعوام 1976- 1978، وتم تحديد أسعار الصرف على أساس السوق، وحل الدولار بشكل كامل محل الذهب فى سوق التعاملات المالية.

هذا الدولار يكلف البلدان ثمنًا غاليًا للحصول عليه، لزيادة الاحتياطى النقدى لديها، والحفاظ على عملتها الوطنية واستقرارها، فإذا اختفت تلك الأوراق الخضراء فإن قيمة عملتها تختفى، وتسود حالة من الركود والتدهور والانهيار فى السوق المحلية، أيٌ استعباد هذا، الذى تتوقف فيه حياة الشعوب على خدعة، ويتحدد مصيرها على قيمة عملة ورقية!!

فى رواية «الحرام» ليوسف إدريس، فرحت عزيزة بطلة الرواية بجدر البطاطا، ولم تفطن إلى الحفرة التى كانت وراءها فسقطت فيها، وكانت السبب بحملها فى الحرام مرغمة، وظلت تئن أنين المظلوم الذى لا يخلى نفسه من مسئولية ظلمه، وبعد أيام كانت قد نسيت كل شيء عما حدث، من أجل البحث الدائب عن لقمة العيش، فعزيزة كما تقول الرواية تبدأ يومها مسعورة تجرى هنا وهناك لتحصل على خبز لذلك اليوم، وتعود منهوكة مهدودة، ما تكاد تضع رأسها على «المخدة القش » حتى يوقظها هاتف اللقمة والدار الفارغة والأفواه المفتوحة الجائعة.

لينتهى بها الحال لخنق وليدها–ابن الحرام–وتموت عزيزة، وتمضى الأعوام، وينسى الناس تمامًا كل ما كان من أمرهم وأمر عزيزة.. وكل ما تبقى من المأساة شجرة صفصاف، يقال إنها نمت من العود الذى استخلصوه من بين أسنانها بعد موتها، طمس فى الطين ونبت وأصبح تلك الشجرة، التى يعتبرها الناس شجرة مبروكة، وأوراقها مشهورة بين نساء المنطقة كدواء أكيد مجرب لعلاج عدم الحمل.

فعل الدولار بالعالم ما فعله محمد بن قمرين بعزيزة فى رواية الحرام، مستغلًا حاجتها بلا رحمة، والغريب أنه أيضًا مع مرور كل تلك السنوات بعد الحرب العالمية الثانية، والعالم لا يستطيع الخلاص من هيمنة الدولار–طوعًا أو قهرًا -  وأصبح يقدس تلك الأوراق الخضراء، كأوراق شجرة الصفصاف فى رواية الحرام، يتباركون به، وينشدون فيه الأمل والرخاء، وهو الشاهد على مأساة كثير من شعوب العالم، كما شهدت شجرة الصفصاف على مأساة عزيزة، وعلى الخطيئة التى أنهت حياتها.

[email protected]