رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تأملات

 

ربما كان الشاعر اليونانى القديم هوميروس – اذا صح وجوده من الأصل – هو أول من لجأ بقصد أو بغير قصد إلى الإستعانة بكاتب شبح لنظم قصائده، حيث يتردد أن الإلياذة والأوديسة اللتين تنسبان اليه ليستا من تأليفه وأنهما لمجموعة مختلفة من الشعراء. اذا اعتبرت ذلك من قبيل المزحة، وهى ليست كذلك، فليس من القبيل ذاته الإشارة إلى أن شكوكا تحيط بالكاتب المسرحى العالمى الرائد ويليام شكسبير، حيث يتردد أن هناك شخصا آخر هو كاتب الأعمال المنسوبة له وأن شكسبير كان مجرد واجهة لإخفاء هذا الكاتب.

وقد امتدت الظاهرة إلى أعمال الأديبة الفرنسية كوليت (ولدت عام 1873) وإن فى اتجاه معاكس، حيث تزوجت بشخصية انتهازية هى هنرى غوتييه ونسب كل أعمالها لنفسه، وهى القصة التى سجلها الفيلم الرائع للممثلة البريطانية القديرة كيرا نايتلى وحمل اسم كوليت (انتاج 2018).

التطور المعاصر أفرز ظاهرة قريبة من الكاتب الشبح ولكن تحت مسمى آخر هو «المحرر» والذى يقوم على إعادة كتابة المذكرات أو القضايا التى تسعى شخصيات عامة لتسجيلها ونشرها مثل الرؤساء ورؤساء الوزارات وغيرهم، وهو أمر يبقى معروفا إن لم يكن للعامة فعلى الأقل لأهل الوسط «الكتابي».

كل هذا شيء، وازدهار ظاهرة الكاتب الشبح فى مصر، وفى الصحافة فى العقود الأخيرة، بشكل خاص شيء آخر. فقد انتشرت الظاهرة إلى حد تحولها لما يمكن وصفه بالعرف غير المخجل لصاحبه. اعترف بأننى لم أصدق منذ أكثر من عقدين من الزمان عندما سمعت أن قامة صحفية كبيرة «كتابها أكثر من قرائها»، أى أن عددا من يكتبون مقالاتها من الكثرة بحيث يتجاوزون عدد القراء!

كان مستوى الدهشة أقل عندما انتشر فى الوسط الصحفى وغير الصحفى أن عمودًا فى إحدى الصحف ينشر تحت اسم مستعار، ليس من وحى قلم كاتبنا المستعار، وإنما هو لأقلام مجموعة من الكتاب المختلفين. مما خفف من وقع الإحساس بالمفأجأة أن صاحبنا وضع حاجزًا من التقدير لنفسه ولمن يكتبون له فاتخذ ذلك الإسم احتراما لمكانته دون أن يدعى لنفسه القدرة على الكتابة الإبداعية التى تبهر الناس صباح مساء من قراء جريدته!

مع تطور أشكال الظهور على الناس من خلال وسائل ومنصات الكتابة المختلفة.. ورقى وإلكترونى وفوق إلكترونى.. استفحلت الظاهرة على نحو يذكرنا بسياسة الانفتاح التى اتبعها الرئيس الراحل السادات ووصفها البعض آنذاك بانفتاح «السداح مداح»! فظهر الكثيرون ممن يكتبون على أنفسهم، والمشكلة أن كتابتهم تلك ليست بأقلامهم وإنما بأقلام آخرين.. من الكتاب الأشباح، مستغلين فى ذلك سوء أوضاع الصحافة وحاجة الصحفيين إلى توسيع مصدر رزقهم، من أجل أن يحقق هؤلاء الكتاب منتحلو الصفحة زيادة ما يمكن وصفه بـ «رأسمالهم الرمزي».. من أجل تعزيز مساحة دورهم وحجم تأثيرهم على الساحة وتحت الساحة!

كم كانت دهشتى، فى جلسة لى مع أصدقاء المهنة على أحد المقاهى، عندما استمعت لحكاوى يشيب لها الولدان عن مهنة الكتاب الأشباح وكيف أنها أصبحت مهنة رائجة هذه الأيام. كان من بين أكثر هذه الحكايات مثارا لاستغرابى ماذكره لى صديق من أنه لدى متابعته أحد كتاب المقالات مستفسرا عن عدم ارسال المقال، فما كان منه إلا الاعتذار مؤكدا على أنه سيتصل بـ «الكاتب بتاعه» ليسرع بالإرسال! كان تعليق صديقنا : إذا بليتم فاستتروا، فيما كان ردى أنها «الشفافية فى زمن الكذب»!

[email protected]