رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

 

 

 

بدأ المصرى القديم مبكرا - ومن قبل سجلات التاريخ - رحلة البحث عن إله، وتعددت آلهته المرتبطة باحتياجاته ومخاوفه. وفى خط مواز بدأ أثر السياسة فى حياة المصرى القديم الذى وجد نفسه على ضفاف النيل رهن هوى ثنائية «الحاكم - الإله» الذى بمقدوره أن يمنح ويمنع، فهو المتحكم بمصدر الحياة المتدفق بمجرى الزمن – مجرى النيل..

اختلط الدينى بالسياسى، وتماهى الإله مع الحاكم، وتربى العقل المصرى على الخشية من الاثنين دون إخلاص حقيقى لأى منهما.. ثقافة الشعوب المستسلمة لماضيها تصبح بتعاقب القرون مكونا طبيعيا مثل الجبال، يزداد رسوخا وقوة بالتقادم، وكلما تعاقبت الأزمنة والأحداث تصبح القوة الجاذبة للماضى أكبر بكثير من أى محاولة للإفلات نحو المستقبل..

المتأمل للعقل المصرى المعاصر يدرك بسهولة أنه وجدانيا مشدود للخلف، وجسديا أو عضويا يعيش عصره، مستخدما أدوات ومنتجات وعلوم هذا العصر.. هناك فارق كبير بين انتماء الوجدان واتجاهات العقل.. الوجدان أقوى سيطرة وتوجيها من العقل لأنه يلوى عنق الحقائق ويزيف المنطق لصالح عاطفة تاريخية.. الوجدان التاريخى المنحاز للماضى مؤشر قوى لأزمة العقل المعاصر الذى لا يملك جسارة التغيير، وعلى حد تعبير الدكتور بطرس بطرس غالى – يرحمه الله – «الأغبياء فقط هم الذين لا يغيرون أفكارهم».

ليس معنى ما سبق الدعوة لقطع الصلة بالتراث، ولكن الصحيح فيما أتصور أن نعتبر التراث مخزنا تاريخيا نعود له وقت الأزمات الوجودية التى تهدد هويتنا.. هذا المخزن التاريخى لا يمكن أن يكون صالونا يصلح للجلوس به، ولا مدرسة نتعلم بها، ولا جامعة تدرس العلوم الحديثة.. لننظر إلى إسرائيل – الكيان الأول المهدد لنا ولهويتنا، سنجد دولة علمانية ضمن أهم خمس دول فى العالم فى مجالات البحث العلمى، ومع ذلك فقد قام هذا الكيان السرطانى بفضل وهم من اساطير توراتية كاذبة قالت بالوعد الإلهى لليهود بفلسطين كأرض موعودة..

.. مشكلة الزيارات اليومية للتراث، والعيش وجدانيا فى كنفه بتقاليده وأعرافه وخرافاته أنه يحول النسبى إلى مطلق، والإنسانى إلى مقدس. المشكلة الأكبر كما أوردها الدكتور زكى نجيب محمود فى كتابه «تجديد الفكر العربى» أننا حين نفهم التراث بالتراث – أى من خلال منظور التراث ذاته ومن داخله – فإن شيئا لن يتغير أو يفيدنا فى عصرنا. وينتهى الدكتور زكى نجيب محمود لنتيجة مؤداها أن التراث لن يحل مشكلة واحدة من مشكلات عصرنا- خاصة مشكلة الحرية والدخول إلى عصر العلم.

الجدل الدائر حول أطروحات بعض المثقفين والإعلاميين عن بعض القصص الدينى يشير إلى نوع أسميه مجازا «التطرف الناعم» الذى لا يستخدم الرصاص لقتل المختلف، ولكن الأخطر أنه يقتل أو يهدد بقتل ومحو جانب من الوجدان الدينى لدى العامة على الأقل.. وأعتقد أن قضيتنا ليست فيما اذا كان المعراج حلما وخيالا أم حقيقية، وانما يجب أن تكون قضية من يمارسون هذا اللون الخطر من «التطرف الناعم» هى: لماذا بعد 1500 عام من قصة المعراج لم نستطع أن نجارى بعض الأمم التى صعدت للقمر، وتسعى بعلم وبحث لاستيطان المريخ؟.. ممارسة «التطرف الناعم» هو الوجه الآخر للتطرف الدموى.. الأول يفرغ التاريخ من مضمونه ومخزونه من الأساطير والقصص، كنوع من التصفية الوجدانية، والثانى يصفى الوطن ممن يتخيلهم أعداؤه كنوع من التصفية الجسدية..

سيظل تطور الأوطان وأمانها رهنا بتحرير الوعى الجمعى من قبضة خاطفيه من جماعات التطرف الغاشم، ونخب التطرف الناعم.. الخطاب السياسى الرسمى الذى تتبناه الدولة المصرية على لسان فخامة الرئيس عبدالفتاح السيسى يقر بحرية الاعتقاد واحترام التاريخ، ويتمسك بهوية الدولة الوطنية ذات المكون التاريخى وليس الدينى. هذا الخطاب يحتاج أن يترجمه عمل مؤسسات كثيرة فى مصر، وألا يترك لأفراد ليس بينهم رفاعه الطهطاوى، ومحمد عبده، وطه حسين والعقاد ويحيى حقى وغيرهم كثر ممن أضاءوا الطريق بالاستنارة والجسارة، وليس بالرصاصة والتجارة.