رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

 

غيب الموت قبل أيام المفكر الدكتور سيد القمنى (13 مارس 1947 – 6 فبراير 2022)، ولأن المفكرين يفنون ولا يموتون، فقد انطلقت من قبور الجمود والقهر أسراب من «دواعش وبقايا إخوان» معلنة اغتيال الرجل الذى رحل عن دنيانا جسدا كما يرحل كل الناس ملوكا وعوام، وأنبياء ومارقين. تعرض الرجل ولايزال لأغرب حادث اغتيال جماعى من بشر لم يقرأ أغلبهم كلمة واحدة من قرابة ثلاثين مؤلفا لهذا المفكر الجليل.. الدكتور سيد القمنى حصل على جائزة الدولة التقديرية فى العلوم الاجتماعية عام 2009، أى أن الدولة كرمت د. سيد القمنى بأكبر وأهم جوائزها، وبعض من مواطنى ومتعلمى هذه الدولة يرون أن أعظم تكريم للدكتور القمنى اغتياله حيا وميتا.

لا فارق عندى على الاطلاق بين هؤلاء وبين قتلة الدكتور فرج فودة، ومن طعن الروائى العظيم نجيب محفوظ، ومن يقتلون جبنا وجهلا جنودنا فى سيناء، ومن يغتصبون الأطفال ويتنمرون بالفتيات.. كل من قتل وطعن بالسلاح غدرا، وكل من يقتل ويغتال بالتكفير، وكل من يتنمر بالآخر طعنا فى ملته أو إيمانه حتى لو على الفيس بوك – كل هؤلاء ينتمون لقبيلة واحدة تعيش خارج الزمن، ويدمنون تزييف الضمير باسم الدين.. رئيس الدولة نفسه – فخامة الرئيس عبدالفتاح السيسى قالها صريحة وبالحرف: لو واحد قال لى أنا مليش أى دين هو حر.

الذين لم يترددوا فى إعلان اغتيالهم للدكتور سيد القمنى عقب وفاته، لم تكن خصومتهم مع الرجل خصومة فكر تستدعى بالطبع وبكل احترام وتحضر، مجادلة الفكرة بالفكرة، والرأى بالرأى وليس بالرصاصة والسكين.. إنها «الحسبة» يا سادة والتى أعطت هؤلاء الحق فى اغتيال الرجل – ميتا– بتهمة أنه علمانى وملحد وأساء للأنبياء والرسل والأخطر من كل ماسبق أنه ارتكب جرم التفكير ونقد التراث.

تأملت تعليقات الكثير من الأشخاص على صفحتى بالفيس بوك بعد نشرى عزاء وتقدير لشخص وقيمة الدكتور القمنى، وتبين لى أن أزمة العقل والثقافة فى مصر لم تعد أزمة عوام الناس، ولكنها عاصفة ظلامية تضرب وبقوة جموع المتعلمين وبعض نخب المثقفين.

وفاة الدكتور سيد القمنى مثل كتبه وأفكاره ستظل كاشفة لعوار كبير فى مجتمع يتسكع بين شواهد القبور مدعيا التدين والعودة لأزمنة الطهر، ويتسول على موائد العصر باحثا عن منتج جديد من إبداع الملحدين.

تمنيت أن يقرأ جنود «دونكشوت» كتابا واحدا للدكتور سيد القمنى، من التى تناول فيها التراث بالفرز والنقد وإعادة الفهم، ليعرفوا أن الرجل قبل أن يكتب كلمة قرأ ألف، ومعظم مصادره التى اعتمد عليها ووثقها بمتون كتبه كانت لأكبر وأشهر كتاب السيرة مثل ابن كثير وابن هشام والحلبى والقرطبى وغيرهم.. د. سيد القمنى سيظل بفكرة حيا لعقود وقرون طويلة، أما الذين يدعون الدفاع عن الله والرسل، فأهمس لهم: هل الله جل جلاله خالق الكون ومبدعه بحاجة إلى صرختكم وارتجافتكم هذه.. هل الأنبياء والرسل الذين غيروا مجرى التاريخ الانسانى بحاجة إلى هوسكم الزائف، وعنتريتكم المفضوحة.. هل عقيدة الإسلام التى يدين بها ما يزيد على مليار إنسان فى العالم بحاجة إلى معارككم الصبيانية.. الدكتور سيد القمنى بفكره وانتاجه الفكرى قيمة كبيرة لأى حياة ثقافية ولأى مجتمع مستنير لديه ولع بالبحث عن الحقيقة والبرهان العلمى حول أى شيء، بغض النظر عن تدين أو عدم تدين الرجل، يقر أو ينكر، تلك حريته التى كفلها له القانون والدين نفسه.. التراث الدينى ليس منزلا، ولكنه انتاج بشرى، وخلاصة جهد عقول فى أزمنة مضت، وفرز هذا التراث وإعادة قراءته من جديد عمل جليل يستحق كل من يقترب منه ويتناوله بجرأة كل التقدير والإجلال وليس التحقير والاغتيال.. إن محاولة فهم التراث من داخل التراث - كما يتمسك بذلك سلفيو العقل والوجدان - سيظل مبنيا على العلاقة بين الإنسان والله، على حين أن ما نتوق إليه فى لهفة مؤرقة، يتجلى فى العلاقة بين الإنسان والإنسان. وتلك أزمتنا فى مصر.