رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

الراصد للمجتمع المصرى منذ ما يزيد على نصف قرن سيقف أمام حقيقة أن هناك حالة من النوم الاجتماعى أقرب لحالة «أهل الكهف». هذه الحالة منفصلة تمامًا عن متغيرات كثيرة حدثت خلال خمسة عقود، أبرزها فيض تقنيات الاتصال التى تشبه رغم حداثتها «المغارة» العصرية التى دخلها المجتمع ولم يخرج منها بعد. هذه المغارة كان المفترض أن تكون فضاء مبشرًا بالتجديد وامتلاك ناصية أفكار جديدة تنقل المجتمع من حالته البسيطة التى ظل عليها منذ بدايات القرن التاسع عشر وحتى نكسة 1967 تحديدًا. الفرنسيون عام 1798 كانوا أشبه حين دخلوا مصر بالزلزال التاريخى والحضارى الذى أفاق المصريون على هزاته مدركين أنهم كانوا محشورين فى كهف التخلف منذ الاجتياح العثمانى الهمجى لهم عام 1516.

صدم نابليون بونابرت المصريون بثقافة المدفع التى اجتاحت عصر النبابيت، وعندها أدرك أهل مصر أن الخليفة العثمانى الذى كان يقدم نفسه لهم على أنه ظل الله فى الأرض القادر على قهر أى عدو يقترب من عرشه خارت قواه وسقط فعليًا خلال الساعات الأولى من دوى مدافع بونابرت.. كان المصريون يعتقدون على سبيل الوهم فى عصمة الخليفة العثمانى وأنه كلمة سماوية لا تقهر، ولكنهم عندما فزعوا من حرائق بونابرت وصرخوا كما يقول الجبرتى صرخة دعاء «يالطيف الألطاف نجنا مما نخاف» لم يجدوا للخليفة أثرًا، وهو الذى كان يخاطبهم كذبًا باسم السماء.

من هذا التاريخ وحتى ثورة 1952 تسلم عهدة المصريين محمد على وأسرته من الأبناء والأحفاد، وبقيت الخلافة العثمانية أشبه بميت لم يدفن بعد حتى عام 1924 عندما أعلن أتاتورك نهاية الخلافة وتقبل العزاء الأقرب للمباركة برحيلها.. لامس العصر الحديث القشرة الخارجية الرقيقة من شرنقة المجتمع المصرى – قشرة نخبوية لم تتجاوز عتباتها المخملية، ورغم حالة الغنى الأدبى والفنى والحراك السياسى، فإن قلب المجتمع ظل كما هو سجين كهف الماضى السحيق.. ثم جاءت ثورة 1952 ليدرك المصريون معها أنهم كانوا تحت أمره حكامًا أجانب، وأنها المرة الأولى منذ قرون يعتلى عرش مصر مصريون حقيقيون.

اللحظة الراهنة فى حياتنا لحظة فارقة، وأخشى أن تكون الفرصة الأخيرة للنجاة من الموت خارج التاريخ. ثورة العلوم بلا حدود ونحن مازلنا بعيدًا عن أدبياتها، وثروة الوقت واحترام قوانينه نفتقر لفهمها واستيعاب قوانينها.. لدينا مشكلة وجودية خطيرة تقول بأن أقدامنا فى القرن الحادى والعشرين وأفكارنا تهيم فى صحراوات رمالها مزيج من الخرافة وسراب الحياة الخادع.

المسألة ليست أننا نتعامل مع أحدث الهواتف، ونبنى مدنا جديدة، وعدد خطوط الهاتف المسجلة تتجاوز عدد المصريين الذى تجاوز تقريبًا المائة وعشرة ملايين نسمة.. سنكون أمة حديثة وحية ومعاصرة بقدر مشاركتنا فى الاقتصاد الإقليمى والعالمى.. بقدر عدد مراكز البحوث، وعدد الأبحاث العلمية التى ننتجها.. بقدر استيعابنا لحقائق العصر الحديث والتى تفرض بلا جدال أن نغير من نمط الفكر الاجتماعى والسياسى السائد، ونتخلص من حالة «الهوس الدينى» الكاذب التى تعمى أبصارنا وبصائرنا وتحيلنا إلى أمة من التائهين فى ملكوت التخلف.. أمامنا الآن فرصة تاريخية للخروج من الكهف تفرض على الإعلام الغارق فى عسل السطحية وسمومها أيضًا أن يتحمل مسئولية الوعى باللحظة الراهنة.. الآن أكبر دول العالم وأكثرها تقدمًا تستشعر فى ميادين تنافسها خطرًا وجوديًا– فهل يعقل أن نظل مجتمعًا يعيش فى كهف موحش يتخيله كومباوند فسيح– أو هكذا يراه!