رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

 

 ضربت «ثقافة الحذاء» بنعالها عبر التاريخ، لتعبر عن سمات بعض أفراد المجتمع، لدرجة أنها أصبحت جزءَا من طباعهم، وفى مصر يسمى الحذاء «الجزمة» وفى العراق «كندرة» وفى الشام «صرماية». والحِذاء «جمع (لغة)» جمع أَحْذِيَة، والنَّعْل «جمع (لغة)» جمع نِعال، والحذاء بالفصحى يعنى النعل أو الخفاف أو السوقاء، والمركوب والُبْلغة، وبالعامية البيئية يطلق عليه «صَرْمة قديمة»، وبالرغم من تعدد اللهجات والمصطلحات والبيئات، إلا أن المعنى ظل واحدًا عبر العصور، وهو لباس القدمين من أجل حمايتها. إلا أن تصرفات بعض البشر تؤكد أن الحذاء لا يستخدم للمشى فقط.

 ويطلق على صانع الأحذية الإسكافى والسرماطى، ويقوم بصناعة الأحذية صناع متخصصون، فهناك طائفة السّرمْاطية وهم الذين عرفتهم بعض الوثائق بأنهم صناع أخفاف النساء، وبأنهم السرماجية. وعمومًا فهم صناع بعض النعال الخفـيفة، ومنها البلغة والمركوب والخُفْ. وهناك طائفة مكملة لطائفة السرماطية وهم القباقبية، صناع ألوان من الأحذية الخشبية التى يعلوها جزء جلدى، ويستخدم فى الحمامات العامة ولبسطاء الناس، كما وجدت طائفة أخرى عرفت بالأخفافية البلدى، وهم صناع ألوان من النعال الخفيفة للرجال والنساء من الطبقة الدنيا. وهناك طائفة الإسكافية وهم القائمون على إصلاح الأحذية والمصنوعات الجلدية وغيرها.

 وصناعة الحذاء موجودة منذ عصر الفراعنة، والدليل على ذلك صور المصريين القدماء وهم يرتدون النعال فى الرسومات الموجودة فى جداريات المعابد والمقابر. وخير مثال على ذلك الملك توت عنخ آمون، والذى تحتوى مقتنياته على عدد كبير من النعال، التى هى من مقتنياته الشخصية.

 وللحذاء فى الثقافة دلالات كثيرة، ولأن الحذاء أطول وأقول وأشد لمعانًا من الألسنة، فقد حقق نجاحا ملحوظا، شجَّع على التوسع فى استخدامه كلغة للحوار، فنجد أحد الخصمين عندما تحدث بينهما مشادة كلاميـة، يقـول للآخر: «سوف أعطيك بالجزمة القديمة»، بينما يـعبر البعـض الآخر عن غـضبه تـجاه آخرين فيقول: «أنتم تحت جزمتى»، ويكتفى آخرون بالإشارة إلى الجزمة، ويـعبر آخرون عن غضبهم برفـعها، ولعل مـردَّ ذلك إلى أن الحذاء يقع موضعه من جسد الإنسان أسفله، وأنه أقرب مما يكون إلى الـتراب كما يخاض به فى الأوحال. وللأحذية دلالات واستخدامات تتخطى المعروف لدى الناس، فيمكن أن تمثّل فردة حذاء أيقونة حظ بوضعها على الأبواب أو المركبات، وأحيانا يكون الحذاء نقطة اعتراض شديدة اللهجة، وتعبيرا عن الغضب، وقد حدث ذلك كثيرًا فى مصر؛ بداية من قبقاب «شجرة الدُر» آخر من حكم مصر من الأسرة الأيوبية، والتى تم ضربها بالقباقيب حتى الموت.

 ولم تقتصر ثقافة الحذاء على العامة، لكنها ظهرت أيضا بين أساتذة الجامعات، فعندما أنشئت كلية الإعلام بجامعة القاهرة فى عام 1973م، عين الدكتور «إبراهيم إمام» عميدًا لها؛ وفى أحد الأيام دخل مكتبه الدكتور «مختار التهامي» الأستاذ بالكلية، لمناقشته فى بعض الأمور، فحدث بينهما خلاف وفوجيء بسيادة العميد يطرده، وعندما امتنع عن ذلك، رماه بالحذاء، الذى عبر خلال الشباك إلى الحديقة التى خلف مكتب العميد، فأسرع دكتور التهامى والتقطه، وذهب به مسرعًا لرئيس الجامعة لاتخاذ اللازم، فتشكل على إثر ذلك مجلس تأديب؛ وكان من قراراته فصل العميد، وتعيين الدكتور»حسن محمود» وكيل كلية الآداب مشرفًا على الكلية بدلًا من الدكتور إبراهيم إمام؛ بسبب تبنيه ثقافة الحذاء.

يقول اريك هوفر: «من يعضون اليد التى تطعمهم عادة ما يلعقون الحذاء الذى يركلهم - إريك هوفر». (وللحديث بقية)