رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

على فكرة

ربما كانت نبوءة الناسك، الذى منحه وشاحا أصفر عندما زاره فى معبده فى الهند، قائلا له: إنه لا يمنح إلا لمن رصدته الأقدار لخدمة أقرانه، هى أصل الحكاية. كانت تلك هى الأيقونة التى رسمت مسيرة «محمد سلماوى» الحياتية والمهنية، الذى يروى بسلاسة فى الرصد وتدفق فى الحكى وعذوبة فى اللغة، وثراء فى حجم الإنجاز وتنوع التجربة، جوانب أخرى منها، تمتد لأكثر من ثلاثين عاما، فى الجزء الثانى من مذكراته الصادر مؤخرا عن دار «الكرمة» تحت عنوان: «العصف والريحان».

فعل «محمد سلماوى» ذلك على مدار أكثر من خمسين عاما، فى كل المواقع التنفيذية التى اختير لها فى وزارة الثقافة، أو فى لجنة صياغة الدستور، أو فى صحيفة الأهرام، حيث أسس بها الأهرام أبدو كأول صحيفة تعد وتطبع بالكمبيوتر، أو فى المواقع التمثيلية التى حصل عليها بالانتخاب فى نقابة الصحفيين واتحاد الأدباء المصريين والاتحاد العام للأدباء العرب. فعل كل ذلك بعزيمة وبمحبة غامرة، بل تباهى فى ثنايا كتابه، بكل موقع يفتح أمامه آفاقا متعددة للخدمة العامة وخدمة الزملاء والأقران، ووصفها بأنها «لا تعلو عليها خدمة أخرى».

ترك «سلماوى» فى كل موقع من تلك المواقع بصمة جديرة بالتقدير وباعثة على الإلهام، أهله لذلك ثقافته الواسعة، وإلمامه الفائق باللغات، وقبلهما التحلى بإحساس رفيع بالمسئولية الفردية والوطنية، فكان مسئولا عن الدورة الأولى لمهرجان المسرح التجريبى، كما أعاد الوشائج لعلاقات مصر الثقافية بالعالمين العربى والغربى، التى مزقتها السياسة، وساهم فى الإعداد للافتتاح المبهر لدار الأوبرا الجديدة، التى بنيت كمنحة ثقافية من اليابان. ومن الطريف أنه قد لاحظ فى تلك الأثناء أن مقاعد دار الأوبرا قد تم تصميمها طبقا للحجم الدقيق للمواطن اليابانى، وقد نجح فى اقناع الطرف اليابانى بمنطقه، فاستجاب فورا لملاحظته الدقيقة التى تعكس فطنة وسرعة بديهة، وفى وقت قياسى، تم التغيير بمقاعد جديدة تتناسب مع الأحجام الشائعة للأبدان المصرية.

وأضاف «سلماوى» مسرحا بديعا للمسارح القائمة على مقياس النيل، لكن البيروقرطية بعتوها وقصر نظها تخلصت منه لاحقا.

فى رئاسته للجنة الثقافية فى نقابة الصحفيين، أرسى سلماوى قاعدة مهنية ضرورية، تفرق بين العمل الحزبى وبين العمل النقابى، الذى لا يحول دون الانتماء الوطنى والسياسى، وهى قاعدة حطمها تيار الإسلام السياسى وجماعة الإخوان، وباتت فيما بعد عصية على التنفيذ. وأقام للأدباء مبنى لائقا بهم ودعم ميزانية الاتحاد بتبرعات سخية جمعها بصلاته القوية، كما عزز روابط الاتحاد بالأجهزة التنفيذية للدولة. كل هذا وغيره مما تعجز المساحة المتاحة للإلمام به.

لكن المؤكد أن المذكرات تحفل بدروس وتجارب وخبرات تنطوى عليها تجربة سلماوى جديرة بالتأمل والالتفات. لعل أهمها أن الجدارة والكفاءة والاتقان والموهبة، كانت مدخله للعوالم التى ارتادها، فضلا عن قوة الإرادة والثقة فى النفس. عالم الأدب والقصة والرواية والمسرح الذى درسه وهام به، وضمنه رسائله السياسية والاجتماعية، وعالم الأدوار التنفيذية التى جاءته، ولم يكن يسعى إليها، والتمثيلية التى انتخب لأجلها. وبينها أن الحرية على المستويات الفردى والسياسى والفكرى، هى مدخل لا بديل له للنهوض الاجتماعى والثقافى والإبداعى، وبينها كذلك ان التنافس الشرس والمعارك الصغيرة، التى تنتشر فى الوسط الثقافى، تعرقل أعمالا ايجابية لخدمة الصالح العام، وتهيل عليها الغبار.

أدار «سلماوى» المعركة التى نشبت لاختيار نجيب محفوظ له، وتمسكه به لإلقاء كلمته فى استلام جائزة نوبل، بترفع وعزة نفس، وكسبها بالأداء المتقن الرفيع الذى شهده العالم أجمع فى الاحتفالية السويدية. والأهم أن تلك الصغائر لم تدفعه للتخلى عن رهانه - أيقونته الهندية - أن الخدمة العامة وخدمة الآخرين، تعلو كل شىء. فيا له من رهان خلاب ينبض بالوعى والحنان والإنسانية المتدفقة.