رؤى
كنت أتابع احتفالات أكتوبر عام 1981، مع والدى رحمة الله عليه، كان يوم الثلاثاء، فجأة انقطع إرسال التليفزيون، انتظرنا لفترة إعادة البث من المنصة وطال انتظارنا، وجدت نفسى أقول لوالدي
ــ قتلوه
ـ قال: من؟
ــ السادات
ــ قال: حرام عليك، هذا الرجل قدم لمصر الكثير، ويكفيه انتصار حرب أكتوبر، وإعادته لأجزاء من سيناء المحتلة بالتفاوض.
كنت ما زلت فى الجامعة أدرس الفلسفة، وعندما وقع الرئيس أنور السادات اتفاقية كامب ديفيد اعترض البعث السورى والعراقى، وقادوا جبهة لضرب السادات فى الداخل من خلال النخب المصرية، ونجحوا فى تشكيل جبهة معارضة من اليساريين الذين كانوا يستضيفونهم ويكرمونهم ويمنحونهم الجوائز.
عندما توقفت الطائرة فى مطار بن جوريون ونزل منها الرئيس أنور السادات كاد قلبى يتوقف، وشعرت بخوف شديد، لكن سرعان ما تبدل الخوف والقلق بسعادة غامرة لشجاعة بطل حرب أكتوبر وهو يصافح قيادات العدو الصهيونى، شعر أغلبنا أنهم مجرد بشر مثلنا، يغضبون ويجوعون، ويتألمون، ويضحكون، ويمرضون، وأنه من الممكن أن نتحاور ونقنعهم ويقنعوننا.
والدى رحمة الله عليه كان مع مبدأ المصالحة، وكان مع توقيع الرئيس السادات للاتفاقية بمفرده دون الاستجابة لرغبة البلدان العربية، ومبرر والدى كان فى رفض البلدان العربية الجلوس مع العدو التاريخى على طاولة واحدة، واتفاقهم على أن الأرض التى احتلها العدو التاريخى بالقوة يجب أن تعود بالقوة.
والدى رحمة الله ضرب لى مثلاً بصلاح الدين الأيوبى، وقال لي: صلاح الدين عقد معاهدة مع الصليبيين، ارجع لها واقرأ بنودها تجد أغلب بنودها تقوم على التطبيع التجارى والثقافى، تعطى الحرية للمسيحيين غير العرب فى زيارة مهد المسيح والمقدسات الدينية.
اليوم أتذكر هذه الوقائع وأنا أتحسر على غزة التى أصبحت إمارة مستقلة عن الضفة، وسوريا التى تنزف شبابها ونساءها ومدنها وقراها، ولبنان وهى حائرة بين الفصائل والأحزاب، والعراق التى تتنازعها المذاهب والملل والداعشية، وليبيا التى تحولت لميليشيات وحرب بالوكالة، واليمن الذى لم يعد سعيداً، فقد بددوا قوتنا وسفكوا دماء شبابنا وأضاعوا ما كان بقبضتنا من تراب.