رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين



حوادث الانتحار كثيره حول العالم وتحدث كل يوم ، وتزيد نسبة المنتحرين في الدول الغنية والمتقدمه أكثر من الدول الفقيره النامية ، ولايعني ذلك أن مشاكل المجتمعات في الدول الغنية والمتقدمة أكبر منها في المجتمعات الفقيرة . الحقيقة هي أن ثقافة المجتمعات الصناعية الغنية بشكل عام تقوم على جسارة المغامرة والفعل ، اضافة الى أن مساحة التردد والخوف داخلها  محدودة بالنظر لفضاء الحريات الشخصية الذي يتيح لأبسط الناس في هذه المجتمعات أن يعيشوا تجارب الحياة بحرية اختيار شبه كاملة  . في المجتمعات القديمة  والفقيرة – بالمعيار الاقتصادي – في الغالب تكون الثقافة السائدة منقوله أكثر منها معقوله – بمعنى أننا مثلا في بلد مثل مصر ليس هناك صلة بين التعليم والثقافة . كثير من المتعلمين والحاصلين احيانا على درجات علمية رفيعة تتحكم بهم ثقافات قديمه صنعتها الأعراف والعادات والتقاليد والفكر الديني المشوش .
 هذا الواقع عندما نتأمله سنجد عندنا مجتمع  – من حيث ثقافته – عبارة عن فضاء مفصول عن القوى البيروقراطية والمسيطرة للدولة ، إلى حد وصف علماء الاجتماع لذلك بتعبير " مجتمع بلا دولة " . الخطاب الرسمي للدولة المصرية يقول بأهمية الحفاظ على الدولة الوطنية أمام مخاطر الداخل والخارج  . هذا صحيح  ، ولكن من حقائق التاريخ أن الدولة الوطنية لاتستمد قوتها إلا من مجتمع محلى شديد الوعي بأهمية التطور ، وبأن الحقيقة الوحيده الثابته في تاريخ الانسانية هي " التغير " . الدولة الوطنية حتى وان امتلكت أقوى الجيوش ، فإن قوتها الضاربة والحقيقية تظل في دشم العقل المحصنه بروعة العلم ، وليس روث الخرافة .  إنهار الاتحاد السوفيتي السابق ولدية أكبر ترسانه نوويه في العالم ، ولكنها عجزت عن انقاذ مجتمع انتحر أفراده كبتا ويأسا ومللا وفشلا ، ملايين المرات خلال سبعة عقود .  
 أتصور أننا لايجب أن نتابع حوادث الانتحار مثلما نتابع أخبار الرياضة والفن والسياسة والحروب . انتحار فتاه جامعية بمول شهير أو رجل ستيني تحت عجلات المترو ليست مجرد حوادث فردية صادمة عند سماعها ، وبعدها تمضي الحياه . قبل أن ندين المنتحر ونحمله مسئولية انهاء حياته بهذه الطريقه ، علينا أن ندين المجتمع الذي خرج منه هؤلاء بلا عودة .. علينا أن ندين مؤسسات الدولة التي لم تعلق بالبحث والدراسة على أحداث كهذه وكأنها أوراق شجر صفراء عصفت بها رياح الخريف .
المؤكد أننا مجتمع تغتاله في كل لحظة ومن آلاف السنين مشكلات وجودية كثيره ، يتصدرها الخوف ، والفقر ، وضعف الذات ، والإيمان الشكلي بآلهة الأرض والسماء .. مجتمع ينتحر كل يوم منه الملايين من الباحثين عن حلم صغير انتظروه طويلا ولم يأت بعد .. مجتمع تنتحر أمام عينيه وبفعل قسوة مواريثه وأعرافة وأمراضه ملايين النساء كل يوم ، لا لشيء إلا لأن قدرهن أن خلقن نساء لتصيبهم لعنة تاء التأنيث وعار الأنوثة ، التي يفترض أنها نهر البهجة ، وسر الوجود العظيم .
لحظة إلقاء فتاة جامعية بنفسها من الطابق السادس بأحد المولات ، هي لحظة سقوط للمجتمع بكامله في أمتحان الحياه والتاريخ والأخلاق والضمير .. هي لحظة سقوط لمؤسسات عامة من المفترض أن تمثل حاضنات اجتماعية لكل الناس .. هي لحظة سقوط لمؤسسات اعلامية وثقافية مخاصمة للعقل والذوق واحترام الذات ..  جرائم القتل مهما كانت فظاعتها فهى أولا وأخيرا مؤشر لسقوط فردي حتى لو كان القتل جماعيا – أما حادث الانتحار وبرغم  فرديته ، إلا أنه في معناه الأبعد يدين المجتمع الذي لم يؤمن بعد بأنه لاسلطان فوق سلطان العقل ، ولايرى أن الحرية تمثل فضيلة الفضائل ،كما أنه يدين الدولة التي شيدت الكثير من أشكال العمران في سبع سنوات  ، ولكنها لم تبدأ بعد مهمتها التاريخية الحقيقية في إعادة بناء شخصية مصر والمصريين .