رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

ندى

احتضنته قرية «قنير» التى تنتشر على جوانبها البساتين والمزارع ذات الطبيعة الساحرة، وتحف دروبها الأشجار الوارفة لتستظل بها البيوت الطينية العتيقة، وتتحلق حول ينابيعها وضفاف أوديتها الأعشاب ذات الأزهار الجميلة، وكانت فى الغالب – كمعظم القرى الفلسطينية - تنام بعد العشاء غارقة فى الظلام الساحر، فلا تسمع فيها الا صدى السكون أو نباح الكلاب أو أزيز صراصير الليل أو ضحكة مكتومة أو همسا خافتاً أو دعاء من تجافى جنبه عن المضجع فقام الليل متهجداً ومستغفراً،ليستيقظ أهلها مع نسمات الفجر ليذهبوا إلى حقولهم.

لم يكد  الشاعر الفلسطينى على فودة  يفتح عينيه على معالم «قنير», و يحفظ وجوه أطفالها، و يتقن لفظ اسمها حتى حلت به وباسرته وأبناء قريته وشعبه أم النوازل وأفظع النكبات بعد عامين من مولده، فاقتلعته وزلزلته وهو طفل رضيع وألقت به فى مهالك الغربة واتون اللجوء،  لتزداد غربته ألما وقسوة بوفاة والدته.

عشق قريته وغازلها بقصيدة متميزة، أمضى أربعا وثلاثين عاما من عمره، فى مخيمات النزوح و البؤس واللجوء حيث تقوده الأقدار إلى الأردن ثم العراق قبل أن ينتهى به المطاف فيستقر فى بيروت مثقفا يساريا وأديبا وشاعرا ملتزما، عاشقا لوطنه فلسطين فسكنته فى الروح والوجدان والثقافة .

بدأ يكتب الشعر مبكراً وكانت القضية الفلسطينية هدفه,  وصدرت له مجموعته الأولى عام 1969 بعنوان (فلسطينى كحد السيف).

أقام فى بيروت إلى جانب عدد كبير من المثقفين والمبدعين، وعمل فى الصحافة الفلسطينية (مجلة فلسطين الثورة) وكان ذلك عام 1976، صدرت مجموعته الشعرية (قصائد من عيون امرأة) عن دار عويدات عام 1976، ثم تلتها مجموعته (عواء الذئب) منشورات فلسطين الثورة عام 1973 ثم صدرت مجموعته (مجموعة الغجري) وصدرت له رواية (الفلسطينى الطيب) عام 1979.

أصدر مع مجموعة من أصدقائه (مجلة رصيف 1981) لتمثل ثقافة الهامش والاختلاف بعيداً عن المؤسسة الرسمية.

استمر فى إصدار الجريدة على الرغم من اختلافه مع أصدقائه، فقد اعتبر على فودة الجريدة الساحة الأرحب للنضال والحرية، وتمنحه حرية شخصية ليكتب ما يشاء ويناضل بطريقته الخاصة. كانت الجريدة المجلة الثقافية الناقدة للواقع بقسوة والرافضة لكل السلبيات والداعية للمقاومة حتى أصبحت جريدة المناضلين الثوريين وبقيت توزع حتى أثناء حصار بيروت عام 1982.

كان الشعر بالنسبة له يتلخص بالرفض والتمرد، ارتدى اللباس العسكرى وحمل بندقية الكلاشنكوف ودافع عن (رصيفه) وثورته.

وفى صبيحة يوم 20/8/1982 ، غادر على فودة حاملاً (رصيفه) إلى منطقة (عين المريسة) لتوزيعها على المقاتلين، وكانت الطائرات المقاتلة تحوم فى الأجواء التى ما لبثت أن انقضت وألقت بحمولتها على المنطقة فأصيب إصابة قاتلة نقل إلى المستشفى إلا أنه ما لبث أن فارق الحياة.

نجا»فودة»  من مجازر التطهير العرقى وهو رضيع لتلاحقه الطائرات الصهيونية إلى بيروت وهو فى ذروة الشباب وعنفوان الثائر، وجرأة الشاعر وصلابة المقاتل، حيث استشهد وهو يحمل صحيفة الرصيف التى كان يحررها.

قرأ»فودة» نعيه بنفسه , وحقق ما عجز عنه الجميع , فمعظم الناس يحلم بأن يقرأ ما سيكتبه الآخرون عنه بعد أن يموت، وهذا مستحيل فعليا, لكن» فودة» كان مختلفاً، فقد أصابته قذيفة فى رقبته أثناء توزيعه لجريدة الرصيف خلال  الغزو الإسرائيلى للبنان عام 1982، وانتشر خبر موته بسرعة البرق، فكتب الراثون مراثٍ وقصائد عنه، ليفيق ويقرأ ما كتبوه ثم يموت إلى الأبد وهو فى السادسة والثلاثين لتغيب معه ظاهرة ثقافية خاصة لم تتكرر.

[email protected] yahoo.com