رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

 

وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ.. (الآية 82 من سورة الأعراف). هؤلاء الأناس هم من كانوا مع لوط ولم يأتوا الفاحشة، فكان جزاؤهم إخراجهم من ديارهم لأنهم قوم يتطهرون. وما كان إخراج لوط إلا أنه وبخهم على فعلهم القبيح واقترافهم ما حرم الله عليهم من العمل الخبيث.. ومن يومها والدناسة تحاول أن تعلو على الطهارة والجمال يُحارَب من القبح.

فهل أصبح الطهر فى زماننا جريمة؟ وهل أمسى الجمال ذنبا؟ لقد أصبح المتطهرون الآن يُعابون بغير عيب، ويُذمون بغير ذنب. وطغى القبح على الجمال، وبات الاستثناء هو القاعدة. وهذا هو سر تخلفنا وتخبطنا.

لقد عُرف عن المصريين دائما حبهم للجمال وعشقهم للنظافة والأناقة والفن والموسيقى والأدب الرفيع، وهو ما شكل لديهم «ثقافة الجمال»، ولكن للأسف الشديد غلبت عليهم مؤخرا ما يمكن أن نطلق عليه «ثقافة القبح».

وهذه الثقافة ليست حديثة ولكنها متجذرة فى التاريخ منذ عصر أرسطو، الذى كان يعتبر النساء «رجالًا مشوهين»، مرورًا بالعصور الوسطى و«أندية القبح» فى القرن الثامن عشر، وصولًا إلى النازية ومعرضها الشهير عام 1937 الذى سموه معرض «الفن المنحط»، وجمعوا فيه ما يقرب من خمسة آلاف عمل لبيكاسو، وشاجال، وفان جوخ، وغيرهما، باعتبارها «أعمالًا قبيحة لا تستحق سوى الازدراء».

فى مؤسسات الدولة، غالبا ما يصل المنافق الذى لا يعمل، وذلك على حساب المطحون فى العمل. وفى تولى المناصب العليا فى الدولة غالبا لا نجد الشخص الكفء، بل يصل من تثق السلطة فى ولائه بصرف النظر عن كفاءته. وبذلك تطرد العملة الرديئة العملة الجيدة.

لقد أصبح الجمال نقمة والقبح نعمة. والأدهى أن يُخفى الإنسان وراء جمال الشكل قبحا عميقا؛ ذلك القبح الذى يظهر فى الفكر الملوث والصوت العالى الأجوف. وأصبح القبح يملأ شوارعنا، نراه فى زحف جيوش الأسفلت على الخضرة، وفى تشويه الطراز المعمارى للبنايات القديمة، وفى ضوضاء وعشوائية التكاتك، وفى جعير معظم مقدمى البرامج الحوارية، وفى أطنان الزبالة التى أفرزت زبالة التعامل، فالكل يُظهر للكل العداء، واختفت الابتسامة من على الوجوه وحل محلها توجس وعبوس. ونسى الجميع أن التبسم صدقة وأن الابتسامة تفتح مغاليق القلوب.

والأدهى من ذلك، أن نرى القبح يغطى وجوه أطفالنا، يكاد يصنع منهم مسوخا فى القيم والأفكار، وفى الشكل والمظهر، حيث أوجدوا لأنفسهم مفردات لغوية لا تمت إلى لغتنا العربية بصلة، يستخدمونها فيما بينهم، كمظهر لتمردهم على أحوال المجتمع. والأسوأ من شيوع القبح وتفشيه أن تفقد النفس القدرة على ملاحظته، وأن يتحول أطفالنا إلى أشخاص متبلدين، لا يرون ولا يحسون ولا يعترضون، بل يستسلمون مستريحين لكل مظاهر القبح من حولهم.

إن مصر كانت وستظل بلد الطهر والجمال والحب، وستبقى دوما تحتضن المتطهرين والمحبين، وستطرد من أرضها كل مظاهر القبح وصانعيه، ولن يتأتى ذلك إلا بتغيير ثقافة المجتمع التى أصبحت فى معظم عناصرها مسخا وتقليدا للغرب. إن هذا الأمر ليس رفاهية وليس نظرة أفلاطونية، بل ضرورة حتمية علينا جميعا أن نعمل عليها، ولنبدأ من الآن وبأنفسنا، فإن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.